مـؤسـسـة

المكتبة الوثائقية العامة في النجف الأشرف

      ــ25ــ
 

المشاهد المشرفة لآل البيت (E)
 

(( بحث أرسله سماحة السيد حسين أبو سعيدة إلى مجلة الزمن التي تصدرها الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين العرب في بغداد , وقد وضح رأيه حول التجاوزات العديدة على هذا الشأن في المجتمع العراقي ))

 

الطبعــة الأولــى

1425هـ - 2004م

النجف الأشرف

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تـقـديــم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله الطاهرين وبعد:

ليعلم أي مسلم في العالم الإسلامي والوطن العربي بوجه خاص ,إن الفترة الزمنية من سنة 1980 م إلى سنة 2000 م قد برزت على الساحة العلمية التاريخية في العراق,حالة في غاية الخطورة على مستوى التوثيق الصحيح.

إذ انتشرت هنا وهناك في أرياف العراق ومدنه قباب نسبت إلى آل البيت بهتانا وزورا, وهي لا تمس الحقيقة بأي وجه, مما أساءت إلى الآل الكرام.                                                                    

وقد تجاهل النظام السابق تفشي هذه الحالة,وكأن الحفاظ على النقاء التام للآل الكرام ليس من وظائفه. فراح بسطاء الناس يتوغلون في ممارسة هذا النشاط غير الشرعي.

فما كان من سماحة السيد حسين أبو سعيدة إلا التصدي لتقويظ هذه الظاهرة فنشر كتابه ((تاريخ المشاهد المشرفة)) وطرح رأيه جهارا ونقد كل الرموز غير الصحيحة التي نسبت لآل البيت بطريقة التسامح والجهل العلمي.

ثم كتب هذا البحث لينشر في مجلة الزمن من باب إياك أعني واسمعي يا جارة – لعله ينفع أو يشعر النظام بما يدور في المجتمع.

والحمد لله رب العالمين. 

   علي أبو سعيدة

13 /8/2003 م          

   الأمين العام للمكتبة الوثائقية 

  النجف الأشرف

 

المشاهد المشرفة لآل البيت (عليهم السلام)

تبرز هنا وهناك في الأراضي العراقية وأراضي الأقطار العربية والإسلامية, قباب شاخصة تصارع الزمن معلنة عن معاني وقيم, وحضارة كانت سائدة تحكي الماضي المشرف لأمة الإسلام, الذي أدارت رحاه ثلة من شواخص المسلمين, إذ جرى بواسطتهم تنفيذ كل ما هو صالح لرفع مستوى مجتمعهم, ليكونوا لنا عبرة نسير على دروبهم ونسلك نهجهم القويم الذي نصت عليه الشريعة الإسلامية الخالدة.

هذه القباب تحتها مشاهد ثوى بها الشواخص من آل البيت (E) الذين قدموا ما عليهم لأمتهم من اجل الصلاح والإصلاح.

فمشاهد العترة الطاهرة تحكي ألوانا متعددة من تراث وتاريخ امتنا الخالدة ,وقد تعرضت أكثر تلك الشواخص في العراق  خلال القرن الثالث عشر وما قبله إلى عبث العثمانيين,فقد حاولت سلطة الأتراك بكل ما لديها من جهود  إلى هدم تلك المعالم ومنع إحداث القباب على قبور بعض أعلام المجتمع.

ثم أعقبتها فترة الاحتلال البريطاني للعراق, وما لحق ذلك من الاضطرابات الداخلية وبعدها الثورات التي صدت الانكليز وقوضت انتشارهم ووجودهم, فكانت الحصيلة واحدة وهي قطع الطرق وعدم الاستقرار ,مما سهل الأمر للعابثين ان يمدوا يدهم بالإساءة لتلك المعالم نهبا وتخريبا ,وناهيك عن تأثير كثرة الفيضانات التي أصابت العراق قبل وبعد القرن الثالث عشر, فقط غطت المياه ولمدة طويلة من الزمن أراضي واسعة من العراق مما أدى إلى انهيار تلك الأبنية وسقوط تلك القباب, وبالتالي تدهور تلك المعالم التاريخية وعفيت آثار بعضها جزءا أوبالكامل.

حتى ان فيضان دجلة الذي تعرضت له بغداد في منتصف القرن الثامن الهجري أسفر عن سقوط معظم أبنيتها , وهي المدينة القوية المتضاربة البناء والمتماسكة بعضها لبعض, فكيف تصور الحال مع الأرياف والمنشآت النائية بعضها عن بعض, فما يلحقها يكون أعظم, والحصيلة واحدة وهو ضياع ذلك التاريخ الخالد.

ولهذا فقد كثرت خلال القرن الرابع عشر والعقد الأول من القرن الخامس عشر الهجري الحالي الأسئلة حول مدى صحة البعض من المشاهد المنسوبة لآل البيت. وهذا أمر طبيعي يمليه علينا واقع حالنا كأمة مسلمة تعتز وتهتم بشؤون رجالاتها العظام الذين قدموا ما وجب عليهم تقديمه تجاه الأجيال سيما إذا علمنا أن أولئك الأماجد قد تفرقوا في البلاد وتبددوا في آفاق الأرض ,فأصبح من  الصعب جدا أو بحكم المحال تعيين أماكن وفياتهم فضلا عن تعيين قبورهم.

ولا يخلو هذا الموضوع الحساس من سطو البعض من الطامعين الذين ارتضوا أن يكون مصدر أرزاقهم هو تاريخ آل البيت وخصوصياتهم فأخذوا يتاجرون به منطلقين من زاوية التسامح العرفي لدى بعض سواد الناس البسطاء.

وفي خضم هذا سعى هذا البعض إلى تشييد بنايات على مواضع لم تعرف بأنها قبور مسبقا, بل دليلهم على ما يزعمون تقولات مصدرها المنامات أو المكاشفات الخيالية التي يدعونها تصورا ,فتشبثت فئة منهم بصورة مستميتة على ان في المكان الكذائي  - مثلا – قبرا لأحد أبناء الأئمة مباشرة أو لأحد أحفاده من أهل عصر القرون الأولى , فيسعون جاهدين لتأييد دعواهم عن طريق نشرها بين بسطاء الناس وسوادهم على طريقة اكذب واكذب حتى تصدق , وعند مطالبتهم  بالدليل على صحة دعواهم فيقولون لقد شاهد آباؤنا ذلك في عالم الرؤيا, أو ان كرامة مزعومة ظهرت على البقعة الكذائية.

كل هذا على علم من دوائر وزارة الأوقاف. ولم أقف على إي تحرك منها يشجب هذه التصرفات, مما زاد في تمادي الطامعين من الاكتساب على حساب تاريخ آل البيت (E).

لذا سرعان ما نشاهد بعد أن كان هذا الموقع المزعوم جزءا من هور أو صحراء قاحلة, أو بستانا مثمرا, أو غرفة من غرف بيت حديث الطراز, قد صار بين ليلة وأخرى مرقدا له رسم قبر وعليه شباك وفوقه قبة ويحيط به صحن وقد احتضنه عدد من المتسولات ومدعيات النور وغير ذلك من أمور الشعوذة التي ينخدع بها البسيط من الناس.

ولم يكتف هذا الذي صار سببا لهذه الخدعة (بعد ان صمتت تجاهه الأوقاف) عند هذا الحد بل تطاول أكثر وشمر عن ساعديه وراح يستعين بالمعارف والمتعاطفين ودار يتجول في المدن لعله يحصل على تأييد يدعم به دعواه التي هي بعلمه بطالة قطعا وغير شرعية ولا مشروعة.

ولا يوجد سببا لمثل هذه الحالات إلا عدم الشعور بالمسؤولية تجاه المحافظة على النقاء التام لتاريخ آل البيت (E) من الشوائب والمآخذات، من قبل المدعين ومن قبل شركائهم بالموارد المالية التي تجمع في شباك المرقد المزعوم وهؤلاء هم بعض العاملين في دوائر الأوقاف.

ولم يكتف هؤلاء الأدعياء عند هذا الحد، بل سعى إلى الاتكاء على حوزة النجف الاشرف ليحظى برصيد منها، وبادر للمثول أمام علمائنا أعلى الله مقامهم طالبا تأييد دعواه, ظانا ان ذلك ينطوي عليهم, ولكنه سرعان ما يصاب بالاحباط , لأنه تناسى ان الحوزة الشريفة وحدة متكاملة يعتمد بعضها على البعض الآخر, كما غفل ان العلماء أمناء الله في أرضه.

ولما يأسوا من اخذ التأييد من مكاتب العلماء الشرعيين, اتجهوا صوب بعض من ادعى العلم وارتدى ثوبا ليس له, وللأسف سرعان ما أيّد الباطل وطبل للانحراف.

وقد وقفت فعلا على أوراق كتبت لهذا القائم على خدمة المرقد المزعوم والمتاجر بالإساءة للآل الكرام (E) ,وهذه الأوراق تعتبر إساءة للتاريخ الإسلامي المعاصر, لما فيها من اللف والدوران, وقلب للحقائق  والاعتماد على تشابه وتشابك الأسماء ,وبطلانها مكشوف وظاهر لا ينطوي على العارفين بهذه الصناعة.

واللوم لا يقع على هؤلاء فقط, بل يقع على من كتب هذه الأوراق ظنا منه انه عارف وان هذا الأمر لا خطورة فيه, مع سعيه لطلب الشهرة وغيرها.

     وعند انتشار خبر ما كتبه في الوسط العلمي وإعلان الأخير عدم صحة المعلومات الواردة في كتابته. عندها يصاب القائم على خدمة المرقد المزعوم بخيبة الأمل لأنه أيقن ان الميدان العلمي لا يوجد به إلا العالم المحقق الذي رأيه حجة شرعية مبرأ للذمة, وان العلماء قد ابتلوا بأدعياء الصنعة المقطوع بعدم علمهم وليس عندهم شيء سوى التطفل على العلم. والإساءة لنبينا الأعظم (3) عن طريق الكتابة عن أمور لا ناقة لهم بها ولا جمل.وقد تعدوا حدودهم كهواة فأصبحوا كحاطب ليل الذي توهم ان السراب الذي سعى إليه صار بحكم الحقيقة, ولكنه حصد العكس إذ أقحم مجتمعه في متاعب هو غني عن تحمل عبء شعواءها.

وعلى سبيل المثال لا الحصر, ان شخصا زعم ان الدار الواقعة قريبا من مسجد السهلة في الكوفة فيها قبر لأحد أحفاد الإمام الحسن السبط (u)، وراح ينشر دعواه بين سواد الناس في مسجد السهلة وغيره وبين المزارعين من أبناء تلك المنطقة، حتى وصل الحال به إلى إنشاء بناء على ذلك المكان، وليس هذا فقط بل كتب لائحة كتب عليها اسما مصطنعا وعرضها على الشارع العام دون حياء.

ولم يسأله أو يعترض عليه احد المسؤولين في الكوفة لا من الأوقاف ولا من غيرها. وكأن الأمر لا يعنيهم.

وقد حضر عندنا يطلب تأييدا باطله. فسألناه عن دليله، فأجاب: إن صاحب القبر هو الذي أمره بالبناء عليه.

فهذا الرجل انشأ هذا المرقد الموهوم بناء على رؤيا مزعومة.

فنصحناه أن يترك هذا الوهم والتخرصات الخيالية، ويتكل على الله تعالى في طلب الرزق الحلال.

ووضحنا له ان أهل العرفان وأصحاب القداسة لهم شروطهم الخاصة والمقام العلمي الرفيع الذي يجعلهم في عداد أهل الرفعة والزلفى، لا يمكن لأي إنسان من سواد الناس أن ينال درجتهم، وان حصل عندهم ما هو محال عند غيرهم، فنراهم يتسترون ويتخفون، لا يشغلهم شيء سوى طلب حب المحبوب والفوز برضاه.

ولكنه أصر على الاستمرار في إحداث مثل هذه البدع، وهكذا رمى الكوفة بهذه البلية، فكان ضحيتها سواد الناس الذين تسرق أموالهم وهم لا يشعرون.

هذا مثالا واحدا لاضراب هذه الحالات من بين العشرات العديدة التي وقفت عليها في ريف دجلة والفرات ،في الحلة وميسان، وفي الكوت وذي قار، والبصرة ، والنجف، والمثنى، وغيرها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ونظرا لانتشار هذه الظاهرة في ربوعنا بصورة واسعة في هذه السنوات، فقد ساهمنا في ردع وتقويض مثل هذه الحالات وذلك بضبط ما يمكن ضبطه من ذراي الأئمة من أهل القرون الأولى والوسطى، فمن له مرقد عيناه واشرنا إليه، ومن لم يذكر له مرقدا (هذا هو المهم الآن) تابعنا محل هجرته من مسقط رأسه إلى  موضع هجرته واستيطانه، فمن ورد بدفنه دليل سجلناه والا تابعنا أماكن هجرته الأخرى ان وجدت فنثبتها.

فمثلا الهاشمي الفلاني ولد في المدينة المنورة وهاجر إلى بغداد لسبب ما، ثم بعد ذلك انتقل إلى البصرة وبها تزوج وأعقب فهنا إذا لم يرد دليل على هجرته من البصرة، عندها يرجح وفاته بها حيث رحله، فمن يدعي أن له قبرا في ضواحي الحلة ولم يقدم أي دليل يعضد دعواه سوى تشابه الأسماء أو الرؤيا أو مسائل النور. ففي هذه الصورة لا تقبل دعواه ولا نساعده عليها بأي وجه.

وفعلا حققنا ما وقع بأيدينا عدد لا يستهان به من هذه الحالات، وطرحنا رأينا سلبا أو ايجابا، وصدرنا في هذا الباب بحثا يقع في ثلاثة أجزاء أسميناه ((تاريخ المشاهد المشرفة)) صدر منه جزءان والثالث قيد العمل.

وتوجد ظاهرة،خطورتها جدا كبيرة، إذ من شأنها تقويض كل ما هو صحيح من تاريخ السادات، لا بد من التنويه عليها:

برزت خلال القرن الرابع عشر الهجري ظاهرة يرفضها الدين والعقل واستمرت حتى هذه السنوات في أرياف المحافظات الجنوبية للعراق، وهي انتشار المغتسلات التي تعلوها القباب الخضراء والزرقاء، وتلك المغتسلات هي أماكن قد غسل بها بعض السادات ممن سكن تلك الأرياف، غسل الميت، وتبقى أماكن تغسيلهم تشيد عليها غرف تعلوها فيما بعد قباب. أما أجسادهم فقد دفنت في وادي السلام في النجف الأشرف.

ومع الأيام تتخذها مدعيات النور, والمطوعات محلا للإقامة فتمارس بها نشاطات خلفها ابتزاز أموال البسطاء, هذا من جانب, ومن آخر تمادي المستفيد من هذا المغتسل إلى كتابة لائحة فحوله إلى قبر.

لذا نهيب بالإخوة المؤمنين ملاحظة ذلك وإرشاد الناس إلى تجنب هذه ألاماكن, ونبذ هذه التجاوزات للتأثير البالغ من قريب أو بعيد على النقاء التام لتأريخ آل البيت. وندعوهم جميعا للتشرف بزيارة مرقد النبي (3) ولو من بعيد , وكذلك زيارة مراقد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) فهي المأثورة المستحب زيارتها عقلا ونقلا ,فهم نبراس هذه الأمة (عليهم السلام).