مـؤسـسـة

المكتبة الوثائقية العامة في النجف الأشرف     

 ــ 21 ــ
 

النسخ المتعاقب لكتب الأنساب وتأثيره على الدراسات التاريخية

 

(( بحث لسماحة السيد حسين أبو سعيدة نشر في مجلة الزمن التي يصدرها مركز دراسات التاريخ العربي في اتحاد المؤرخين العرب))

 

الطبعــة الأولــى

1425هـ - 2004م

النجف الأشرف

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تـقـديــم

     طلب مركز دراسات التاريخ العربي في اتحاد المؤرخين العرب ببغداد من سماحة السيد حسين أبو سعيدة أن يعرض رأيه عن كتب الأنساب وتأثيرها على الدراسات التاريخية.

     فاختار سماحته زاوية مهمة فسلط الضوء دون أن يخشى أحدا. وقد نشر المركز المذكور هذا البحث في مجلة له.

واليك نص هذا البحث:

                                                               علي أبو سعيدة

     الأمين العام للمكتبة الوثائقية   
 

بسم الله الرحمن الرحيم

النجف الأشرف

30/ ع2/ 1417 هـــ

إلى/ مركز دراسات التاريخ العربي في اتحاد المؤرخين العرب:

     أشـــكر لكم اهتمــــــامكم بإحياء وتجديد الحركة  العلميــــة المعاصرة ، وأبارك لكم اهتمامكم بالاصالة التاريخية.

    وصلت دعوتكم المؤرخة في 21 / 8/ 1996.

   اخترنا البحث الذي له تأثيره المباشر على صحة التوثيق التاريخي في هذه المرحلة التي يمر بها التاريخ الإسلامي والعربي بالذات. وأسميناه: النسخ المتعاقب لكتب الأنساب وتأثيره على الدراسات التاريخية.

     أرجوا لكم الموفقية في مساعيكم لخدمة الأمة والسلام عليكم ورحمة الله.

              أقل العباد

                 حسين أبو سعيدة 

                    النجف الأشرف

                       30/ ع2/ 1417 هــ 

 

 

   بسمه تعالى وله الحمد وبه نستعين … البحث المختار:

النسخ المتعاقب لكتب الأنساب وتأثيره على الدراسات التاريخية

لا يخفى على الباحث المحقق إن المكتبة الإسلامية غنية بعدد هائل من المخطوطات التي ألفت في مختلف العلوم في القرون التي سبقت انتشار عالم الطباعة بقسميها الحجري والحديث.

وقد اعتمد العلماء العرب في مجالات العلوم المتعددة في توثيق معلوماتهم على ما دونه قبلهم من نشاطات شتى في المجالات كافة.

وتلك المخطوطات التي صدرت بقلم مؤلفيها هي نسخ وحيدة وفريدة يحتاجها طلاب المعرفة المعاصرون لمؤلفيها وما بعد عصرهم، لذا بادر ثلة من الرجال لتحمل هذا العبىء الحضاري الذي بنى الإنسان المعاصر حضارته عليه.

وكأي صــــنـاعـة لا بد وأن يـتـخـصــص بـها أفراد

فيتميزون، لان صناعة النسخ مهنة يجب أن تكون الصفات الجمالية المشوقة المحبوبة متوفرة فيها، حتى يروج سوق حاملها ويشتهر.

ومع اشتراط الخط الجيد في النسخ إلا انه للحاجة الماسة للكتاب وصلت كتب خطت بخط رديء مشوش     ولكن مع هذا تكمن المادة العلمية التي رسمتها أناملهم الكريمة فيها، ومن تلك المخطوطات ما خص علم الأنساب، فعرفت تلك المخطوطات بكتب الأنساب. 

أنواع كتب الأنساب المخطوطة:  

تقسم كتب الأنساب الخطية باعتبار العمق الزمني لمؤلفيها إلى ثلاثة أقسام، وهي:

القسم الأول: كتب الأنساب الخطية للفترة الزمنية التي تبدأ من بداية القرن الرابع الهجري فما قبله حتى تتعدى زمن الرسالة المحمدية على حاملها أفضل التحية والسلام، داخلة في أيام العرب قبل الإسلام.

وهذا النوع من الكتب لم يشاهدها علماء عصرنا، ولكن علموا بها بواسطة ما نقل عنها أهل عصر ما بعد أوائل القرن الرابع الهجري، فعرفنا مؤلفيها رضوان الله تعالى عليهم .

فتلك الكتب وصلتنا بالواسطة الروائية فقط، وهذه تقسم إلى حالتين كالآتي:

الحالة الأولى:

كتب شفهية سمعها علماء عصرها نقلا مباشرا أو بواسطة واحدة أو أكثر، ويعبر عنها الأوائل بقولهم في مخطوطاتهم سمعت من فلان ... أو حدثني فلان عن فلان ... أو أملى عليَّ فلان.

الحالة الثانية:

كتب قد كتبت ونقل عنها أهل الفن والخبرة من أبناء عصرها، فبقت كتابتهم في مخطوطاتهم، وانقرضت تلك الكتب لكونها وحيدة ومفردة بسبب عوامل الطبيعة المتعاقبة كالفيضانات والحروب والحرائق والطواعين.

واهم صفة امتازت بها تلك الكتب إنها كانت فريدة فلم تتعدد بالنسخ، فوصلت مادتها العلمية واحدة، فهي تصدر من قلم مؤلفها أو لسانه إلى معاصريه من تلامذته دون زيادة أو نقصان.

القسم الثاني:

كتبت الأنساب للفترة الزمنية التي تبدأ من خلال القرن الرابع الهجري إلى أوائل القرن الرابع عشر الهجري، وهذه المرحلة تعرف بمرحلة التدوين الواسعة، إذ ألفت فيها العشرات من أمهات كتب  الأنساب، وهي فترة سجلت أضخم عدد بحيث قسمت الكتب فيها باعتبار نظام تأليفها إلى قسمين:

أـــ كتب الأنساب الخطية المشجرة.

ب ــ كتب الأنساب الخطية المبسوطة.

وأهم صفة امتازت بها كتب تلك الفترة الزمنية هي تعدد نسخها، إذ تم نسخ عدد من الكتب على النسخة الأصلية بواسطة نساخ يختلف كل واحد عن الآخر في المستوى العلمي ومجالات الحياة الأخرى، وهنا تقع الطامة الكبرى ويدور البحث ويبدأ محور النقاش.

وباعتبار المستوى العلمي لنساخ تلك الفترة ينقسمون إلى قسمين:

أ ـــ ناسخ غير متكسب، نسخ الكتاب الفلاني لدراسته والأخذ عنه، وقد نسخ بنفسه وقلمه. وهذا النوع هو العالم الحقيقي ومن أهل فن الموضوع الذي يخط فيه،فيخرج الكتاب الذي نسخه معافى من الشطحات  لان ناسخه يعرف أين يضع النقطة , فهو يعي بجدارة ماهية ما يخطه , لذا فهو يصون الأمانة التاريخية التي تحمل وزرها .

ب – ناسخ متكسب , اتخذ النسخ مهنة له يعيش من عمل يده ,وهذا النوع من النساخ ليس بالضرورة ان يكونوا علماء وهو النوع المقصود هنا , لأن هذا النوع هدفه الجمالية الخطية فقط , وهو لا يفهم معنى الموضوع الذي يكتب فيه , أو يقدر مقدار الخطر الذي يهدد التاريخ من جراء اشتباه قلمه فيما لو زحف أو اعترك . وهذا النوع من النسخ هو الذي نقصده في بحثنا , ولا بد من وقفة عنده ...

وصلت إلى عصرنا نسخ عديدة لكتاب واحد من كتب الأنساب الخطية القديمة , وقد وقع النسخ بأيدي مختلفة, وعندما نقارن موضوعا واحدا تم ذكره في كل نسخة من النسخ المذكورة , نقف على أمور نوضحها عبر النقاط التالية :

‌أ.    إن الموضوع الفلاني في النسخة رقم (1) والتي هي تقع في ملك زيد , تختلف عن نفس الموضوع في النسخة رقم (2) التي يملكها بكر , وكلاهما يختلفان عن نفس الموضوع في النسخة رقم (3) التي حفظت في خزائن دار المخطوطات مثلا .

‌ب.  نجد تكرار أعمدة النسب لنفس الموضوع في صفحات النسخ المتعددة مع حذف عدد من الوسائط بين نسخة وأخرى .

‌ج.   نجد موضوعا في مبسوط قد دون في نسخة رقم (1)في صفحة (20) بينما نجد نفس الموضوع كتب في نسخة رقم (2) في صفحة (120) والأدهى من ذلك ان الموضوع في النسخة (1) ينسب إلى الإمام الحسن (u) ونفسه ينسب إلى محمد نازوك من أحفاد الإمام علي الهادي مذكورا في النسخة رقم (2) .

‌د.   يحصل أن يسقط سطرا أو أكثر وقد تكون صفحة أو أكثر من نسخة رقم (1) وفي نسخة رقم (2) يسقط أيضا مثلما حدث للأولى ولكن بموضوع آخر غير ما سقط بالأولى , وهكذا في البقية , فيكون المفقود كثيرا ...

‌ه.    يتخلل النسخ المتعددة للنسخة الفريدة الواحدة أوراق بيضاء , أو أنصاف أوراق , أو أسطر بيضاء في أماكن متعددة من النسخ الموجودة للكتاب الواحد .

‌و.      نلاحظ مثلا توفر خمس نسخ من كتاب واحد , وفيه الحالات التالية :

النسخة الأولى : في دار المخطوطات ببغداد , وقد عبثت بها الأرضة فثقبتها من الوسط , فرسمت نقشا على هيئة العنكبوت , مما أدى إلى محو ما تحتها .

النسخة الثانية : من ممتلكات المكتبة الملكية الدنماركية , وقد ثقبتها الأرضة من الزاوية اليمنى العليا ...

النسخة الثالثة : من ممتلكات مكتبة طهران , وقد ثقبت من الزاوية اليسرى السفلى .

والنسخة الرابعة : تقع في ملك فلان من أهالي الموصل , وقد تلف البعض منها .

والخامسة : من ممتلكات فلان من أهالي النجف الأشرف , والأرضة أيضا لم ترحم حالها ... وهكذا.

فمن جراء تعرض هذه النسخ للضرر نجد ان فلانا نقل في مؤلفه نصا من النسخة رقم (1).

ويأتي آخر ويدون نفس النص نقلا عن النسخة رقم (2) إلا انه يختلف بمادته عما دونه الأول .

وهكذا كلما تكررت النسخ كثر الاختلاف وتوسعت الرقعة .

فكيف يمكن للباحث التعامل مع هذه الحالة حتى تكون دراسته التاريخية لمرحلة ما بناءة وصحيحة ؟؟

والجــــواب على هذا السؤال :

على إي باحث رائد في بحثه ناشد للحقيقة , هدفه التحقيق لرفع الدراسات الإنسانية التاريخية إلى مراتبها التي تحقق أهدافها المنشودة ,ان يعلم إن الموضوع الذي يكتبه قد سبقه غيره عبر القرون , فكتب قبله فهو في هذه الحالة عليه أن يأتي بشيء جديد وإلا فهو يتكيء على عكاز غيره .

فما هو الجديد الذي عليه الإتيان به ؟؟

والجـــواب : بعد أن علم الباحث إن عددا من مصادر كتب الأنساب لها نسخ عديدة . وبعد ان اطلع على الاختلاف في نصوص هذه المصادر للموضوع الواحد, فكيف بالمواضيع المتعددة ,وبعد أن أصبح واضحا عنده , إن سبب ذلك اشتباه النساخ الذين احترفوا هذه المهنة . ولما كان هو باحثا عالما مؤولا للأمور , فهو قطعا يدرك خطورة أخطاء النسخ على السلامة التاريخية, ولأجل أن يحميها من الشوائب عليه اتخاذ التدابير اللازمة لكي يجنب بحثه الخطأ ما أمكنه .

ونذكر أهم هذه التدابير وهي : السعي للمقارنة بين نسخته التي اعتمد عليها وبين أخرى أو أكثر ضمن المجموعة المتوفرة للكتاب الكذائي .

ثم يعرض عصارة نتاجه على غيره من أهل الفن ممن له باع في فنه قد شهد له آخرون وهم يعترفون بفضله , وبديهي أهل الفن لا يبخلون على غيرهم بما وهبهم الباري تعالى .

وعند إطلاع المؤهل لإبداء الرأي على الموضوع المعروض عليه , يبين توجيهاته ويضع لمساته الكريمة حتى يصدر البحث وهو مؤتزر بكل وسائل التوثيق ودعائم الأصالة . فقديما قيل : من شاور الناس شاركهم في عقولهم .

فكيف إذا كانت المشاورة مع أصحاب الرأي ودعاة الحق ورواد الحقيقة ؟؟

بعد كل هذا تأتي المرحلة الثانية , وهي استطلاع رأي كتب الأنساب الأخرى التي قد تتعرض لنفس موضوعه , وفي هذه الحالة أخضع الباحث موضوعه إلى قاعدة الجرح  والتعديل .

فيترشح له بحث ينطق عن المرحلة التاريخية الفلانية وهو يرسم مراحلها التي خفيت عن جيلنا ومن ثم يساهم في بيان فضل الأمة المسلمة على غيرها من الأمم والعربية بالذات على غيرها .

إيضــــــــــاح :

كثيرا ما ورد هذا الاصطلاح – الباحث المحقق – فيا ترى ماذا نقصد من ذلك ؟؟

الجـــــــــواب :

الباحث المحقق في اصطلاح علم الأنساب هو المعبر

عنه – بالنسابة – وكثيرا ما نقرأ هذا اللقب أو نسمع به. فما هي صفات حامل هذا العنوان ؟؟

كان الذي يعرف بالنسابة في القرون التي سبقتنا , هو طالب العلم المشتغل الذي أستكمل تحصيله العلمي , فبرع بالفقه والأصول والحديث وعلم الرجال وأخذ علم الأنساب عن مشايخه فمنحوه ثقتهم فأجازوه بأن يروي عنهم إجازة شرعية اعتبرها السلف الصالح من أولويات الأمور .وقد وشح تحصيله العلمي بالتخلق بما نصت عليه السيرة النبوية وأمر به الكتاب المجيد .

وكنتيجة لهذا تحصل لديه ملكة لا يستطيع حجبها بل تظهر على منطقه وتشع من نور عقله بوادر تمييز طبقات الرجال و معرفة أصولهم فنجده ينطق ولا يخاف , ويأمر فيطاع , ويوعظ فيؤثر .

قوله حجة يؤخذ بها  لا بديل لها , يعمل بقواعد الجرح والتعديل . وأما معرفته باللغة وما يمت لها بصلة فهذا ما يبهر العقول .

فكان الرجال يتسابقون في تحصيل تلك الشروط ولو بمراتب متفاوتة , فهي لا يشترط توفرها لدرجة الكمال فهذا محال , ولا انعدامها لدرجة الجهل فهذا اجتراء.

       هذا هو النسابة المعبر عنه بالباحث المحقق .

       فهل هذا أمر هين ؟؟

       وهل هذه مرتبة باستطاعة إي انسان ان يوفق إلى نيلها ؟؟

       هذا في القرون السابقة لعصرنا.

   أما في هذا العصر فقد ابتعد هذا العنوان عن كثير من لوازمه وشروطه، إذ وقفنا على من ارتضى لنفسه هذا اللقب وهو في حالة يرثى لها، تحيط به أمور هي المقومة لشخصيته، ولا بد من الإشارة إليها وهي:

1 – لم يدرس ويأخذ علم الأنساب عن علمائه ولم يحصل حتى ولو على إجازة واحدة في الرواية، بل احتطب مصورات كتب الأنساب وقرأ بعض أعمدتها على ما بها من الصفات التي ذكرناها مسبقا، فاعتقد انه مؤهل لحمل عبىء هذا العنوان.

2 – بعيدا عن الفقه، فلا يتحرج في الاثبات أو النفي.

3 – لا يميز بين طبقات الرواة، فهو لا يعرف عن علم الرجال شيئا.

4 – لا يفهم معنى الجرح والتعديل.

5 – أما مسائل الحلال والحرام فبينه وبينها كالبعد بين النجوم والأرض.

6 – والبعض من هذا النوع لا يعرف عن نفسه شيئا فهو لا يعرف أعربي هو أم لا ؟؟

                  - علوي هو أم لا ؟؟

فشرع يفتش عن تلك النفس المجهولة , ولما يفشل في العثور على ضالته , تتولد لديه الرغبة الطارئة للدخول في هذا البحر المتراطم الأمواج بسبب كونه تعلم بعض ملامح رسم المشجرات فاعتقد انه صار مؤهلا لهذا العلم فأطلق على نفسه – النسابة – وهو لا يميز بين المصطلح النسبي واللغوي .

هذا حال هذا اللقب – النسابة – في عصرنا , فأين هو من حاله في القرون التي سبقتنا ؟؟

– فهل مثل من تحيط به هذه الأمور يحق أن يشار إليه بهذا العنوان ؟؟

       فمن كانت هذه صفاته وأمامه مرحلة تاريخية معينة, كيف يستطيع دراستها ؟؟

وما هو مستوى التوثيق والتأصيل التاريخي الذي يقدمه هذا عن تلك الحالة ؟؟

بديهي يصاب التاريخ بنكسات كثيرة من جراء ذلك وتوضع قواعده على اصل غير صحيح .

ولنقف مع كتب التراجم , التي ترجمت لجملة من علماء الأنساب ونطلع على ما قالوا في حقهم :

-    فلانا من أعلام القرن الخامس الهجري وصفوه بـ: أستاذ المحققين , والفقيه المتبحر , والرجالي الفذ , وشيخ المشايخ ,أجيز بالرواية عن مشايخه العظام وأجاز هو عدد من نوابغ تلاميذه , وهو النسابة فلان...

-    فمن كانت هذه صفاته بامكانه التعامل مع الكتب النسبية التي لها نسخ متعددة تعاملا صحيحا , ويكون رأيه الذي يطرحه واقعيا صحيحا أو قريبا من الصحة وفقا للأدلة التي اعتمد عليها في بيان رأيه .

ويحصل العكس من الذي لم يسلح نفسه بما ينبغي لها التسلح , فهو يتعامل مع النص المضطرب من جراء النسخ , كحاطب ليل , والخاسر في هذه الحالة هو التاريخ , فيكون هو الضحية .

القـســــــــــــم الثالث :   

كتب الأنساب للفترة الزمنية المعاصرة , وهي تلك الكتب التي ألفت في عصرنا , وتقسم إلى أنواع , لا بد من التعرف عليها , وهي :

‌أ.   كتب خطية مختصة في النسب , أصحابها – مؤلفوها – من العلماء أهل الفن والخبرة والمقدرة ومؤهلين للتدوين فدونوا ثمرة جهود حياتهم . وقد زينوا مؤلفاتهم بالإشارة إلى المنابع الغنية التي اعتمدوا عليها . وقد شهد لهم غيرهم بالعلم والبراعة في هذا الفن.

فمثل هذه الكتب تساعد في بناء الحضارة التاريخية وتساهم في رفد التاريخ بالحقائق الناصعة .

‌ب. كتب خطية أصحابها أميون ,لا يميزون بين الأسود والأبيض , جمعوا سلاسل نسبية دون تمحيص وأطلقوا على ما جمعوا اسماءا طنانة نسبوا مادتها إلى أنفسهم سعيا وراء الشهرة أو كسب المال.

فمثل هذه الكتب مهما طال الأمد لا بد وان ينكشف زيفها وينفضح أصحابها ويحاسبهم التاريخ لكثرة ما سددوا صوبه الطعنات التي هو بريء منها .

‌ج.  كتب خطية أصحابها رواد مجالس ومستمعوا أحاديث أرباب النوادي الاجتماعية , وقد عبر عنهم بالقصخونية , نسجوا أوهاما غرضها النيل من الآخرين والطعن في انساب الأشراف لشيء في نفس يعقوب .

ويعبر عن مثل هذه الكتب بكتب الضلالة. وكتب الضلالة مما نهى الشارع المقدس عنها وحدث بتجنبها.

خطورة الاستنساخ الحديث على التأريخ :

تحدثنا عن مخاطر النسخ القديم لكتب الأنساب والتي كل سلبياتها لم تكن مقصودة بل هي عفوية اقتضتها صناعة الخط وسرعة الانجاز , لذا يحدث بها الاشتباه . وفي كل الأحوال يقوض الله تعالى من يتصدى لإصلاحها فَتََََََََُـَعدّل .

أما الاستنساخ السريع والحديث وهو الاستنساخ بواسطة الأجهزة الفنية الحديثة , فكم قدم للعلم من خدمات جليلة , إلا أن الخطر الفادح الذي يكمن به وهو إضعاف ما تعرض له التأريخ من النسخ القديم . ولا بد من مناقشة الخطر الأعظم الذي تعرض له تأريخنا ولا زالت سلامته مهددة , والتقويض حليفها ومن ثم الاندثار بانتظارها , ما لم يكف بايعوا التاريخ من العبث في كتب الأنساب القديمة بإحداث إضافات وتغييرات في محتوياتها ثم تصويرها بالأجهزة الحديثة لتخرج سوداء كأنها موضوع واحد أصلي.

فهذه الأجهزة عنصر من عناصر التقدم العلمي الذي خدم ويخدم التأريخ وغيره من العلوم.فيجب التعامل معها بأمانة وإخلاص فالذي يروم نسخ مخطوطة في علم الأنساب عليه تصويره بذاته دون تلاعب في نصوصه ومحتوياته والتجنب عن وضع إي حرف ونقطة جديدان لغرض تمويه الحقيقة سعيا وراء مرض النفس.

وللأسف الشديد الذي يحز بالنفس إن الإيدز ((وهو مرض خبيث حديث الاكتشاف)) قد فتك في كتب الأنساب فأصبح من الصعب جدا تصديق أي مصورة لكتاب ما في النسب ما لم تقارن بالنسخة الأصلية.

فقد وقفت على مصورات حديثة لكتب قديمة اختلطت معها خطوط حديثة بفعل من لا يحترم تاريخ الأمة وعازم على تهديم ماضيها، يترائى لمن يقرؤها إنها ضمن محتويات الموضوع القديم، حتى لجهالة المتصرف بها انه يذكر أمورا هي تدور في زمن إما قبل تاريخ ولادة مؤلفها وأما بعد وفاته بفترة زمنية طالت أو قصرت.

فأصبحت كتب الأنساب القديمة كالطين الصناعي يدبلجه من يروم تحقيق هدف منشود ليس له صحة تاريخية، فيذكره بتقليد الخط القديم ثم ينسخه بالتصوير الحديث وكأن شيء لم يكن.

ولم يقف الأمر على الكتب الخطية في الأنساب بل تعدى ذلك إلى الوثائق والاستشهادات والأوقاف والوصايا وأوراق البيع والشراء التي تثبت عروبة وعراقة أصحابها ومشجرات النسب التي رسمت بالطريقة القديمة ((اللولة)) وما شابه ذلك من بوادر التوثيق وعلائم الاصالة العربية الإسلامية.

فما هو موقف العلماء المعنيين بهذا الأمر ؟

لذا ينبغي بالأخوة الكرام ممن يتعاملون مع أضراب هذه الكتب والوثائق التي تعتبر أهم الدلائل المعبرة عن أصالتنا أن لا يعطوا رأيهم الشريف معتمدين على المصورات والوثائق التي قام بتصويرها أصحاب الموضوع، بل عليهم المطالبة بإبراز النسخة الأصلية الخطية للمقارنة بينها وبين المصورة بالنسخ الحديث لاكتشاف أماكن الضعف ومواطن الشك.

كما يجب الانتباه لطريقة القدماء بالكتابة، فهم يرحمهم الله يتركون فراغا ابيضا عند تدوين استشهاداتهم وتعهداتهم وشهاداتهم، فقد استغل البعض هذه الفراغات فاستعملها لأغراضه وأخضعها للتصوير الحديث وأدعى قدمها واصالتها ...

لذا فالحد الفاصل هو مقارنتها مع الأصلية فان كانت مريضة حكمنا عليها بالبطلان و إلا بالصحة . فان التصرف بالوثائق القديمة تضييع لقيمتها التاريخية ومن ثم زوال نكهتها التي يؤدي إلى رفع اللمسات التاريخية من المجتمع العربي والعراقي بالخصوص.

كل هذا بسبب استعمال النسخ الحديث بأسلوب غير شرعي منافي للاصالة والتوثيق.

          

كيفية التعامل مع كتب الأنساب الحديثة التي تعرض للطبع:

لقد تعلمت من أساتذتي – رحم الله الماضين وأدام عمر الباقين – قبل دراسة أي بحث في علم الأنساب أن ادرس شخصية المؤلف والتعرف على جانبه العلمي وموقفه بين صفوف علماء الفن, قبل مناقشة بحثه، لان قوام شخصية المؤلف ترتسم من حيث لا يشعر فيما ألفه.

فدائما أسعى للتنقيب على ما يلي:

1 – هل للمؤلف حصيلة علمية تؤهله لركوب مثل هذا المركب.

2 – الإطلاع على مدى عدالته ومراعاة شروط العدالة، حتى يأمن جانبه من جهة التوقف والتحرج من حرمة القدح وضخامة المدح غير الواقعي. فمن لا تؤمن عدالته لا يسمع رأيه.

ولا يخفى للعدالة درجات بحسبها يتم التعامل مع الآخرين، وهنا لا يراد من العدالة الملكة بل العدالة العرفية.

3 – ملاحظة البحث المعروض هل اعتمد على مصادر ونخضع تلك المصادر للاختبار الذي تكلمنا عنه أعلاه.

4 – مقارنة نص ما أورده في كتابه مع النسخة الخطية الأصلية لملاحظة هل هو يتصرف بالنص تصرف اجتهادي فيضيف ويطرح عبارات من عنده، أم انه يورده على ما فيه.

5 – وقفنا على البعض ينقل عن الكتاب الفلاني ولم يشاهده فضلا عن قراءته، بل نقل عنه بواسطة كتاب آخر، وعندما دون لم يذكر الواسطة التي بفضلها هو  دوّن، وهنا تقع الهفوات التاريخية لان الواسطة يحتمل ان مارست مثلما مارس الناقل، فما هو مصير الحقائق التاريخية ؟؟ 

6 – أنا لا أقول إن علم الأنساب يجب إن يحتكر على من ينحدر من أسُر علمية، بل هناك عدد من علماء الأنساب قد مارسوا أعمال شتى للحصول على أرزاقهم، ولكن مقابل ذلك سلحوا أنفسهم بما ينبغي لكي يتمكنوا من إبداء الرأي ومجالسة العلماء والخوض معهم في الأدلة ومفاهيمها.

فعلى سبيل المثال المكاري الذي لا يعرف إلا التعامل مع دابته فتفهمه ويفهمها، والجميع يعلم به انه يسعى لطلب قوت عياله وانه بعيد عن العلم وحلباته وساحات قتاله، فلا يحق لمثل هذا أن يفاجيء المجتمع بكتاب في علم الأنساب، ليس هذا فقط بل بختم على الوثائق بالتصديق.

فهنا يتبادر بحقه السؤال التالي: من أين لك هذا؟؟

وهكذا الحال بالنسبة لسائق المركبة أو ماسك العود أو صاحب المتجر، فلكل اختصاصه.

فلو عرض مثل هذا الكتاب وحالة مؤلفه كما وصفنا، أمام من وضعت مسؤولية الموافقة على طبعه في رقبته عليه السعي إلى معرفة هوية المؤلف أولا، فإذا لم يتمكن خاطب الآخرين كل حسب بيئته ومكانته، كي يطلعوه على واقع الحال. فالعالم لا يترك إلا العلم والإناء لا ينضح إلا ما فيه.

وقد قرأت في عصرنا وفي بلادنا العزيزة منبع العلوم، كتب مطبوعة ((يشهد الله عليَّ)) إني أجزم إن مؤلفيها لا يميزون ما كتب في صفحة عشرة عما في صفحة تسعة. وهم معهم العذر فالصناعة ليست صناعتهم فإفساح المجال لمثل هذه الكتب هي بمثابة تهديم أركان التاريخ ومن التجاوزات التي لا يتسامح معها الدين.

7 – أن يشهد لمؤلف الكتاب الفلاني غيره ممن يؤمن جانبه بأنه من أصحاب حلبة هذا النزال. وان يجافي المحاباة والمجاملة على حساب التاريخ.

لمعة لا بد من بيانها:

لم تقف خطورة النسخ على ما قدمناه بل تعدت

إلى ابعد من ذلك إذ لاحظت ختم وتوقيع بعض أعلام الفن الذين يشهد لهم بالفضل والمكانة السامية، قد توجت بعض الأوراق النسبية، وبعد تدقيق موضوع تلك الأوراق نجد أصحاب التوقيع بريئون مما وقعوا عليه كبراءة نبي الله يوسف (u). وعند تأمل الورقة الكذائية نجدها مستنسخة على ورقة أصلية جرى عليها التغيير وقد دبلجت بقطع ختم وتوقيع العالم الفلاني الذي كان قد وضعه في مكان آخر، وألصق حذاء أو أسفل هذا الموضوع الجديد الذي وقفنا عليه، ثم استنسخت ليظهر بفضل النسخ الجديد سواد وكأنه موضوع واحد عند من يراه.

ومثل ذلك لا يعرفه إلا من نال فضيلة هذا العلم الشريف الذي تعتمد عليه سائر العلوم الأخرى.

اللهم اعفنا من الزلل ووفقنا لخدمة التاريخ الإسلامي  والسلام عليكم ورحمة الله.

 

                  النجف الأشرف                    

     أقل العباد         

   حسين أبو سعيدة

30/ ع2 / 1417 هــ