مـؤسـسـة

المكتبة الوثائقية العامة في النجف الأشرف

ــ 24 ــ

 

أنساب آل البيت (عليهم السلام) في الوطن العربي والإسلامي

 

(( بحث أرسله سماحة السيد حسين أبو سعيدة إلى مجلة الزمن التي تصدرها الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين العرب في بغداد ,وهو في معرض الرد على التجاوزات التاريخية))

 

الطبعة الأولى

1424 هـ - 2003 م

النجف الأشرف - العراق
بسم الله الرحمن الرحيم

 

تـقـديــم

لا زالت مكتبتنا الوثائقية مستمرة في نشر ما كتبه  سماحة السيد حسين أبو سعيدة ردا على كم هائل من الشائبات والتجاوزات التاريخية التي تفاقمت في السنوات الأخيرة من حكم النظام السابق.

واليك البحث التالي الذي حرره سماحة السيد حول سلبية تفشت في مجتمعنا , وأرسله إلى مجلة الزمن التي يصدرها اتحاد المؤرخين العرب في بغداد بناء على طلب من الأخير.

كل هذا حتى يطلع المواطن العراقي والعربي على حجم الخطر الذي تعرض له سماحته من جهات رسمية عديدة ومن شرائح اجتماعية أصابتها الأمراض المزمنة بسبب غسل الدماغ من قبل النظام السابق للمجتمع,والله المستعان.                                                                    

 

                                                                                 الأمين العام للمكتبة الوثائقية   

 

أنساب آل البيت (عليهم السلام)  في الوطن العربي والاسلامي

ان معرفة انساب الطالبيين والهاشميين ثروة فكرية ضخمة لها أبعادها التربوية,أمدت التاريخ العربي بوجه خاص والاسلامي بوجه عام بأكثر من ينبوع وسدت بشمولية عالية أكثر من نقص تعرض له المجتمع المسلم بأي صقع من العالم.

ولأهمية هذا العلم الذي لم يختص به العرب, بل اختصت به أمم كثيرة قبلهم ,وحاول البعض ممن زعم المعرفة التنديد بهذا العلم وتقويضه,وادعى ان الاسلام حاربه مستشهدا بما ورد في القرآن المجيد من قوله تعالى : [ان أكرمكم عند الله أتقاكم] وقوله سبحانه : [فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون].

وقد غفل ان لهاتين الآيتين وغيرهما معاني كثيرة لا تتنافى وتطلع هذا العلم في مجال خدمة مصالح المسلمين.

ولكن فليعلم اي مسلم ان الاسلام أكد على رعاية الأنساب بحدود حاجة الانسان لها , وشجع ودعا إلى صلة الأرحام مما بنى عليها كثيرا من أحكامه الشرعية في الميراث,والأوقاف ,والنذورات, وغيرها.حتى ان الاسلام أوجب معرفة نسب رسول الله (q) بأنه هاشمي وقرشي, فوضع لصحة الايمان شرط هو معرفة ذلك لا كما أشار له ابن حزم في جمهرته ص2 ,وغيره.

وأوجب الاسلام تحصيل معرفة قربى رسول الله (q) وذلك لوجوب مودتهم التي فرضت في صريح القرآن المجيد قوله تعالى : [قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى].

وهذه الصحاح تنطق في ابراز هذا المفهوم وتحث على تشخيص الأشراف من الآل, لأجل اعطائهم حقوقهم المفروضة.

فقد رتب الاسلام للسادات من الآل أحكاما تشريعية كثيرة لا يمكن تطبيقها لمن جهل معرفة أنسابهم, لذا رتب الاسلام على معرفة الانتساب لهم مسائل فقهية كثيرة لا يمكن تطبيقها ما لم نعرف النسب الهاشمي من غيره, وهناك شواهد فقهية عديدة منها في أحكام النكاح,والميراث,والوقف, والديات ,والعتق.

وفي الكنب الفقهية أحكام خاصة تتعلق بالمسلم الهاشمي وعلى وجه الخصوص بالفاطمي منهم.

وأيضا أوقافا خاصة للطالبيين أو للهاشميين ,أو للعلويين,أو للحسنيين,أو للحسينيين ,أو للموسويين ,وهكذا.

فلا يمكن تصريف هذه الأمور إلا بمعرفة انتسابهم وابراز الصحيح منها,ونبذ اللصيق.

ذكر السيوطي في العجاجة : وقف بركة الحبشي ,إذ ان نصفها وقف على الأشراف من بني الحسن والحسين,ونصفها على سائر الطالبيين من باقي ذرية علي (u) وأخويه جعفر وعقيل.

حتى ان بعض الأوقاف كانت تخص فروعا معينة من تفرعات سائر آل البيت (عليهم السلام) .

من هنا يظهر ان معرفة انساب آل البيت ضرورية, فبها يبتعد المسلم عن الحرام المشخص وغيره.

فأي شيء يمكن تصوره أعلى من هذه المرتبة السامية لمعرفة هذا العلم الشريف؟؟

ويكفي الأشراف من آل البيت كرما وفضلا ما خصهم به الله تعالى اكراما من قدسه لنبيه محمد (q) فخصهم ونزههم عن أخذ الصدقة فهي محرمة عليهم، إذ فرض الله تعالى لهم سهما قرنه بسهمه وسهم نبيه (q), والرسول الأعظم (q) خص من ينتسب له بالدرجة الرفيعة فحباه بقوله صلوات الله عليه: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي.

من هذا يتضح ان للنسب الهاشمي خصوصية وبريق خاص، فله شرفا وضاحا، وشأوا لا ينال إلا بالحق وكرامة بارزة للعيان لا يدركها إلا من هو منه، وما هذا إلا من فضل الله تعالى.

وقد وضع القاسمي رسالته الشاملة التامة الموسومة بــ(( شرف الأسباط )) وحظى مؤلفه هذا بالأدلة القاطعة التي توضح شرف النسب النبوي، وذكر عددا من فتاوى العلماء وخصوصا في باب الوقف على الآل. أنظر ((شرف الأسباط)) ص7.

ووضع ابن عابدين رسالته الموسومة بـ((العلم الظاهر في نفع النسب الطاهر)) ذكر فيها الأحاديث الشريفة التي تدل على فضل آل البيت وضرورة معرفة أنسابهم لتمييزهم عن غيرهم حتى تطبق الأحكام الفقهية المناطة لهم.

فمن هذا أو ذاك فان العمل بتلك المسائل الفقهية يستدعي معرفة أنسابهم لأجل معرفة الصميم من الدخيل.

فلهذه المكانة العظيمة للآل ولشرفهم النبوي الباذخ، ولما خصوا به من الامتيازات، فهم دائما عرضة لطمع الطامع، لذا تصدى جمهرة منهم ومن غيرهم من علماء الأمة إلى ضبط أنسابهم وتعيين نقطة اتصالهم، وبيان عدد أولادهم حتى لا يدخل الدخيل بينهم لسد ما يحتاجه من مآربه .

وقد دعت الحاجة أكثر إلى ضبط فروعهم عندما ازدهرت واستقامت هجرتهم من الجزيرة العربية إلى الوطن العربي والاسلامي، بل وحتى الغربي.

فهذا النسابة العملاق أبو اسماعيل بن ناصر من أعلام القرن الخامس الهجري, مؤلف كتاب منتقلة الطالبية، الذي تابع فيه ورود الطالبيين إلى الأقطار العربية والاسلامية في شرق الأرض وغربها, فسجل أسماء من هاجر واستوطن أي بلد ووصل إليه معينا اسمه واتصاله النسبي, وسنة وصوله، وعدد الذكور والإناث من صلبه, وسنة وفياتهم، وسنة رحيلهم إلى ديارهم ثانية، كما ذكر سنة عودة من عاد منهم إلى وطنه، كل هذا من اجل الضبط التام لانساب آل البيت.

     وكانت انساب آل البيت أيضا مصانة عن الشوائب بواسطة ما وضع لها من هيئة مهمة مناط لها مسؤولية المحافظة على الآل الكرام من الضياع ومنع اختلاطهم بغيرهم بغية الحماية وما شابه ذلك.

وقد سميت تلك الهيئة بأسم ((نقابة الأشراف)) أو ((نقابة الطالبيين))، فكان لكل مدينة كبيرة نقابة خاصة بها، ولها نقيب أشراف من العلويين يرعاها وهو خازن لها وأمين عليها, وهو الواسطة المباشرة بين آل البيت والمجتمع في كل الميادين المختلفة.

    فكانت نقابة الطالبيين لها أهمية عظمى في العالم الاسلامي، وتحظى بمقام مرموق في القرون المنصرمة، مضافا لمنزلتها عند المسلمين، كما كانت تتمتع باستحسان الأمراء والخلفاء. وأول من أحدث نقابة الطالبين هو الخليفة العباسي المستعين بالله بن المعتصم بن الرشيد.وأستمر الحال بعده حتى العهد التركي.

     ذكر الطبري في تاريخه: ان المحدث الكوفي حسين بن احمد بن محمد بن يحيى بن الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد ابن الإمام علي بن أبي طالب (u)،أول من سعى إلى تأسيس نقابة الطالبيين, إذ ورد العراق من المدينة,في عام (251) ودخل على الخليفة العباسي المستعين بالله بن المعتصم وطالبه بتعيين رجل من الطالبيين يتولى إدارة شؤونهم ويدفع غائلة الأتراك عنهم, فعينه الخليفة لهذه المهمة. وقد ألف هذا النقيب الطالبي كتابا في أنساب الطالبيين سماه (( الغصون في آل ياسين )).     

وبعده تولى أحفاده هذه النقابة في الأقطار الاسلامية والمدن الكبيرة في العراق, وكان المعيار في اختيار هذه النقابة حسب الكفاءات العلمية والنفوذ الشخصي.

قال القلقشندي في صبح الأعشى 4/47: نقابة الأشراف هي وظيفة شريفة ومرتبة نفيسة موضوعها التحدث على ولد علي بن أبي طالب من فاطمة بنت رسول الله (q) وهم المراد بالأشراف في الفحص عن أنسابهم والتحدث في أقاربهم والأخذ على يد المعتدي منهم ونحو ذلك وكان يعبر عنها في زمن الخلفاء المتقدمين بنقابة الطالبيين.

قال ابن بطوطة : ونقيب الأشراف مقدم من ملك العراق ومكانه عنده مكين ومنزلته رفيعة.

قال الحلبي في أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء 4/286: ونقابة الأشراف وظيفة هامة في العالم الاسلامي,وقد كان لها تأثيرا كبيرا في البيوتات الشريفة وإصلاح أحوالها وتدبير شؤونها مما أدى إلى إجلال الناس لهم واحترامهم وتوقيرهم ووضعهم في المكان الذي يليق بشرف نسبهم وكرم محتدهم.فكان ذلك اقتداء الناس بهم واقتفاء لأثرهم وطاعتهم لهم ونفوذ كلمتهم فيهم وكانوا يأتمرون بأوامرهم ويذعنون لرغباتهم إلى غير ذلك مما يعود بعظيم الفائدة على هذا المجتمع.

قال الماوردي في الأحكام السلطانية ص 82: وهذه النقابة موضوعة على صيانة ذوي الأنساب الشريفة عن ولاية من لا يكافئهم في النسب ولا يساويهم في الشرف.

هذه هي بعض فوائد نقابة الأشراف على لسان العلماء القدماء, واليوم قد يكون لهذه النقابة وجودا في أحد أقطار الوطن العربي ولكن معظمها تفتقر إلى هذه الهيئة ذات التأثير المباشر على المجتمع.

فكانت بغداد مهبطا لتلك النقابة ومكانا لاستقرارها , ومن ثم نشطت في البصرة ,والكوفة, والنجف الأشرف, والموصل, والحلة, ودمشق الشام, والأردن , وبيت المقدس, واليمن, ومدينة الرسول(q), ومكة المكرمة , وغيرها, حتى وصل الحال في العراق إلى انتشار النقابة في جميع مدنه الرئيسية.

لذا نهيب بأقطار الوطن العربي والدول الاسلامية إلى إعادة أمجاد هذه الهيئة على ما كانت عليه سابقا, فهي الكفيلة في إصلاح ما أفسدته الأيام.

وقد انبرى احد الأعلام  في أرجوزة له في وصف هذه النقابة, فقال الشيخ محمد السماوي في (عنوان الشرف في وشي النجف) 1/78:

نقابة الأشراف من آل علي

 

 

 

ولاية عليهم ممن ولي
ج

يكتب من قد صح في الطروس

 

 

 

ويصرف الوقف على الرؤس

 

فوارداتها من الوقف تفي

 

 

 

إذ كثرت جدا بكل طرف

 

نقيبها الأكبر في بغداد

 

 

 

وفرعه في سائر البلاد

 

فمن ببغداد نقيب النقبا

 

 

 

ومن عداه بالنقيب لقبا

 

وقد وقفت على حقيقة مهمة في عصرنا من خلال رحلاتي العلمية, ان الكثير من الأشراف السادات في الوطن العربي يسعى إلى ضبط اتصالهم بالنسب النبوي الشريف أو يسعى إلى تدوين اتصاله التاريخي خوفا من الضياع النسبي ومن ثم التاريخي.

فوصلت لنا خلال العقد المنصرم (1410 – 1420 )هـ عددا لا يستهان به من الوثائق والمخطوطات النسبية لفروع عديدة تتصل بنسب الآل الكرام ويدعي أصحابها ارتباطهم بها, وهم يرومون تحقيقها ومن ثم تأييدها, وقد حققنا في بعضها وأثبتنا صحتها ثم نشرناها ليطلع أهل العلم وغيرهم.

كما وصلت لنا إحالات عديدة من رابطة الأشراف في دول عديدة تنحى في نفس الاتجاه, وقد أجبنا على بعضها لصحتها وثبتناها في سجلات مكتبتنا الوثائقية.

وما هذه إلا بشارة جيدة تلوّح ببزوغ نقابة الأشراف على مسرح الحياة من جديد.

هذا عرض بسيط لمسيرة انساب آل البيت في الوطن العربي والعالم الاسلامي ومن الله التوفيق.