مـؤسـسـة

المكتبة الوثائقية العامة في النجف الأشرف

    ــ 22 ــ

فلسفة التوثيق النسبي
 

(( بحث لسماحة السيد حسين أبو سعيدة يرد به على تغيير أنساب الناس

من قبل بعض رموز النظام السابق وفرض أنساب جديدة عليهم لا يقرونها))
 

مكتب الفرقان للطباعة والنشر
 

مكتب الفرقان للطباعة والنشر

1424 هـ - 2003 م

النجف الأشرف - العراق
بسم الله الرحمن الرحيم

  

تـقـديــم

 

برزت قبل ثلاث سنوات ظاهرة في مجتمعنا العراقي كان المشجع لها هو النظام السابق , وهي ازدياد كثرة ادعاء النسب الهاشمي من قبل عوائل وعشائر هي من غير الهاشميين على طيلة قرون تصرمت .

وكان الهدف من وراء ذلك تفتيت العشائر وإحداث الفرقة في وحدتهم , وتأمير أشخاص من المؤيدين للنظام على تلك العشائر بغية السيطرة عليهم.

وقد فرضت على بعض العشائر اتصالات نسبية هم يعلمون قطعا بعدم صحتها. وأجبروا ارتداء ثوب ليس لهم .

وكان الذي يفرض على المجتمع هذا الاتصال الباطل بعض الأشخاص الذين باعوا ضمائرهم من اجل إرضاء الظالم والفوز بالتقرب منه.

فما كان من سماحة السيد حسين أبو سعيدة سبيلا لفضح هذه الحالة إلا كتابة هذا البحث الذي أرسله إلى صحيفة أسبوعية لنشره. ولكن ...

ومن اجل كشف الغطاء على أسرار قد غطتها الأيام الغابرة. تقوم مكتبة سماحته الوثائقية العامة في النجف الأشرف بنشر هذا البحث .

 

                                علي أبو سعيدة

     الأمين العام للمكتبة الوثائقية   
 

 فلسفة التوثيق النسبي

اهتم أهل القرون الماضية في العالم الإسلامي، بتوثيق  نسبهم ، وخصوصا النسب الهاشمي لأهمية هذا الموضوع من الناحيتين الدينية والاجتماعية.

فكان الغرض من التوثيق أمرا عقلانيا قد ابتنت عليه أمور كثيرة لها مساس مباشر بديمومة حياة صاحب الوثيقة.

ولأهمية هذه الناحية وصلتها بحياة الفرد بصورة مباشرة، صار لزاما علينا الوقوف عند هذه المحطة، لأجل أن يتبصر الناس في أمرهم ، حتى لا يكون عنوان التوثيق عبارة عن عبور حالة ما.

فإذن لا بد من استعمال حوار الصراحة في كشف النقاب عن الشروط المتعين توفرها فيمن يجوز له ان يضع (خطه) على الوثائق النسبية الحديثة والقديمة , الأولى لأجل إثباتها والثانية لأجل الرفع الاعتباري لقيمتها التاريخية .

فعلى الهاشميين بالذات وغيرهم أن يعلموا ان الذي يثبت صحة دعواهم ينبغي أن تتوفر فيه شروط لا يمكن تجاوزها , والا فلا قيمة تاريخية لما ندونه عن ماضينا المشرف الذي يعبر عنه حاضرنا المشرق . حتى ان المجتمع بدون تلك الشروط لا يقبل بالوثيقة المنمقة بطولها وعرضها .

وقبل بيان تلك الشروط علينا الوقوف عن أقسام التوثيق النسبي :

يقسم توثيق أوراق النسب إلى الأقسام التالية :

1- توثيق البركة واليمن : وهو محاولة الحصول على توقيع علماء الفقه فقط لغرض التشريف , وهذا النوع لا يلاحظ فيه الماهية الحقيقية اللازمة لإثبات المسألة . إذ المفروض إن هذه الوثائق لا تصدق من قبل تلك الفئة إلا بعد تحقيقها من قبل علماء الرجال , سواء كانوا من المتفقهين الرجاليين وهو الأفضل أو من لهم دراية بهذا العلم , إذ هكذا كان دأب علماء القرون الماضية أن يكونوا كذلك بتلك الصفة , والا لا مناص إلا الاعتماد على غيره في هذا الشأن الذي يعوزه .

 فإذا كان الفقيه غير متخصص بهذا العلم , عندها يكون توقيعه للتشريف لا أكثر ولا أقل , فلا يجدي نفعا .

2-  توثيق الثبوت التحقيقي : وهو التوقيع الصادر عن تحقيق بناء علمي وفق الموازين المقررة في عِلم الرجال , وهذه ملكة قليل من يحصل عليها , لا يتمتع بها من جَمَعَ المخطوطات , أو أحاطت به الكتب المطبوعة .

    بل إن صاحب هذا التوقيع مشهود له بالتثبت والتحرج , ليس بسخي بالحرف فكيف بالكلمة ؟ وان يكون صريحا جريئا في طرح رأيه , غير مطعون به في نفسه وشهرته كي يكون رأيه مطاعا , لانه بتوقيعه قد حفظ غيره وبذلك يساهم في بناء مجد الأمة.

لقد وقفنا على الوثائق القديمة وهي موقعة من قبل علماء فقهاء رجاليين , قد عركوا  طرق الاستنباط . لأن تأييد هذه الوثائق قد يمر في مرحلة تعارض الأدلة , فماذا يصنع هذا الموقع إذا صادفه مثل هذا التعارض – وما أكثره في زماننا هذا – إذا كان فقط ينقل من كتاب غيره , أو هو لا يعرف أن يقرأ في الكتب الخاصة بهذا العلم , بل ماذا يفعل من لا يعرف ما هي معاني المصطلحات النسبية . فالمسألة إذن هي ليست بمسألة نقل من المصادر , فهي أعظم من ذلك بكثير . لا يفهم ذلك إلا من يصدق عليه لفظ ((عالم)) . وقديما قيل : ((رحم الله من عرف قدر نفسه)).

3-   توثيق حب الظهور : ولعل هذا النوع من أشد ما يخاف على التاريخ الاسلامي منه , لان صاحبه يحب ان يرى اسمه مدونا على الورق وهو لا يشعر بخطورة ما يفعله , أو يشعر ولا يهتم بنقاء أمته . ومثله مثل من يتعامل مع المواد الكيمائية وهو ليس من خبرائها , فلا محال يقتل نفسه والمجتمع .فيعاب على المرء ان يكتب على وثيقة تخص خصوصيات المجتمع وكيان الناس , عبارات تنم عن عدم الاطلاع وقصور الباع , وهذا أكثر ما يكون واضحا في المسائل غير المقبولة تاريخيا لانها غير واقعية. فلا يجد صاحب الوثيقة النفع الذي يرجوه إلا عبارات توهمه بأن وثيقته صحيحة , وهو لا يشعر لانه لا يفهم تأويل تلك العبارات .

فلا تنفعه عبارة: (بارك الله لها وفيها وعليها) وعبارة: (إنها جميلة ومنمقة وفاخرة) وغير ذلك من عبارات السجع التي لا تسمن . فالثبوت التحقيقي الشرعي كلمة واحدة لا غيرها: صح أو لا يصح.

      أما الشروط اللازم توفرها فيمن يصح توقيعه فهي بإيجاز:

1 – أن يكون قد أكمل تحصيله العلمي، فهو معروف بين العلماء في تحصيله العلمي حوزويا كان أو أكاديميا قد لقح وحصن نفسه بالعلوم الإسلامية الأخرى – فلا ينفع في المقام التحصيل في موضوع واحد من العلوم الإنسانية، فالبقية لازمة وضرورية لإشغال هذه المنصة المهمة إسلاميا.

     فعليه عرض سيرته الذاتية عند مَنْ مِنْ العلماء أخذ العلم وعلى يد من قرأ، ومن أجازه روائيا وعلميا، ولمن أجاز، وما هو طريقه في الرواية. ويشهد له طلابه بمقدرته في تدريس علم الحديث والرجال وبذلك يخرج عن هذا العنوان الأنواع التالية ممن تسربل بهذا الفن:

‌أ.   من ورث كتب الأنساب أو قصاصات الأوراق التي خلفها له أبوه أو جده، وهو ليس بعالم ولا من الدارسين ولا من المتعلمين، مثل هذا لا يحق له شرعا التعامل مع هذه المخلفات وان كان مالكا لها، لان منفعتها وقفا عاما يخص عموم المجتمع – فعليه وضعها في متناول الصالح العام لإخراج النافع منها بواسطة علماء حقا، فهم وحدهم القادرون على نبذ الزحاف منها والذي لا يخلو أي كتاب صاحبه من العلماء من هذا الزحاف، فكيف بالكتب التي صاحبها ليس بعالم بل جامع وهاوي فقط وهو لا يميز بين الغث والسمين.

‌ب. يخرج عن العنوان الغني القادر على شراء الكتب الخطية التي تعتني بالأمر، من داخل وخارج العراق، وبعد أن يرتبها بمكتبة ضخمة يظن انه صار بذلك عالما. فيسعى للتوقيع.

‌ج.  ويخرج أيضا من كان لا يعرف تاريخه وفتش عن نسبه وحام حول مجالس أهل العلم حتى صارت له هواية متابعة هذه الأمور وقد وقفت على حالات لا تعد من هذا القبيل. ولم أدخر وسعا في نصحهم ولكن دون جدوى ، فترى في كل يوم يخرج علينا اسما جديدا موسوما بالهاشمية وموصوفا بألقاب طنانة وهو بعيد كل البعد عن النسب الهاشمي بل وحتى العربي، فماذا نصنع لإنسان ارتضى لنفسه الخداع والدجل وخيانة الإسلام والوطن .

‌د.   الأدهى والأعظم خوفا على التاريخ الإسلامي وسلامته هذا النوع الأخير وهو: عمال المكتبات العامة وباعة الكتب على أرصفة الطرق وباعتها في محلات بيع الكتب – المكتبات السوقية – لا يحق لهم شرعا ولا قانونا ولا عرفا أن يتاجروا بغش الناس وعمل أوراق لهم قد أخرجوا المعلومات من الكتب المطبوعة حديثا أو قديما رافعين شعار –  استغلال الفرص – وأية فرصة هذه التي لا طريق لها سوى قعر جهنم بعصيان الرب الجليل. مثل هذا النوع خارج قطعا ولا يمكن التساهل معه بل يتعين أن يحاسب المجتمع من يتجرأ بكتابة شيء من هذا القبيل . وقد وقعت بأيدينا أوراق عديدة قد ختمت بختم اسم المكتبة وصاحبها. وهل يظن أن عيون الساهرين على حماية تأريخ العراق والأمة غافلة عن ختمه وتوقيعه؟ لذا فالداعي إذا شاهد تكرار مثل هذه التصرفات سيعرض تلك الأوراق للمجتمع ثم يعرضها لمن يهمه الأمر، حتى يعلم الناس مستوى الضآلة في الأوراق التي تكتب الآن في سنة (2001 م) في بلادنا.

‌ه.   ويخرج عن هذا أيضا البعض من العلويين وغيرهم  ممن رغب الكتابة في أسرته أو عشيرته وهو ليس بعالم ، ولكنه وضع كراس أو أكثر أطلــــق عليها أسماء طنانة، وعند تصريفها في سوق الذهب تجد نسبة الذهب إلى النحاس كنسبة الواحد من المائة. ليس هذا فقط بل إن واضعها لا يعرف حتى أسماء الأئمة المعصومين (F) إذا اختلطت بألقابهم وكناهم فكيف والحال هذه ؟ وكيف ارتضى لنفسه عمل ختما طنانا له كي يضعه على أوراق الناس.

وقد وقفت على بعضهم ممن قبل أشهر لا يعرف اسم أب جده، فإذا به يتمادى في دعواه وما يكتبه.

اللهم احفظ تأريخنا من عبث العابثين – آمين ...

2-     أن يكون تقيا حتى لا تضعف نفسه فيرتشي.

3-  أن يكون صادقا قولا وفعلا. فمن أثر عليه الكذب في قوله وفعله عند تعامله مع المجتمع ، يكون من السهل عليه أن ينفي الصريح ويثبت اللصيق.

4-  أن يكون متجنبا للرذائل والفواحش لأجل أن يكون مهابا في نفوس الآخرين. وعندها إذا اثبت أو نفى يسمع قوله ولا يعترض عليه. لأنه بعيد عن الرذائل كقذف المحصنات والتعرض إلى سمعة الناس والشتم بالألفاظ التي يغلق السامع أذنيه من سماعها. وغيرها من منقصات الفضيلة.

5-     أن يكون صريحا جريئا قوي النفس لئلا يخاف من سطوة أحد فيمتثل ما يأمره. فيكون في حالة لا يحسد عليها.

يكتب في الخميس نفي وفي الجمعة يعتذر ليثبت، كما حصل في النجف الأشرف وفي غيرها. فالعالم كلامه واحد لا يتغير باعتبار أن كلامه لا يخرج إلا بعد التمعن به والدراسة، ولا يلوذ بالأعذار الفارغة.

6-  من المستحسن أن يكون خطه حسن. فللجمالية دخل في قبول الوثيقة ودخولها بدون إستأذان في أعماق نفس الرائي والقاريء.

7- العالم حقا بفن الرجال يعرفه المجتمع وينتشر فضله مهما حاول أحد في طمس معالم العلم ونقض برهان الحق. فلا حاجة له بالدوران في المحافل العامة عارضا بضاعته في سوق النخاسين مدعيا ما يعاب عليه  وعلى العلم. فالعلم يُأتي إليه ولا يأتي ليطرق أبواب الناس إلا ما هو مدعاة للإصلاح، فالعلم يصان ولا يبتذل.

وفي رسالة أخرى إن شاء الله نتكلم بإذن الله عن ظاهرة تزوير الوثائق القديمة وتأثير ذلك على طمس حضارة العراق العظيم.

وبعدها عن ظاهرة جديدة ألا وهي بيع الأوراق النسبية في المكتبات السوقية.

                                           أقل العباد

                                          حسين أبو سعيدة     

                                          14/ 2 / 2001 م