أهمية علم النسب

بحث بقلم

علي السيد حسين أبو سعيدة الموسوي

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المهدي للرشاد الفاتح لعباده باب الرضوان والسّداد ، والصلاة والسلام على المرسل كافة للعباد ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأمجاد .

وبعد : لا يخفى على المتتبع اللبيب أن العرب قبل الإسلام اعتنت بالأنساب وحفظتها بالرواية وكان الدافع الأهم عندهم لحفظ الأنساب وروايتها آنذاك ليحموا أنفسهم من الطعن بهم ، فتكون حصناً لجمعهم ووسيلة لانضمام شملهم وشد عرى أزرهم ، فكانوا يفتخرون بها ، فمن كانت مآثر آبائه أكثر كان ارفع عندهم نسباً ، فنلاحظ إن اغلب البيوتات وسمت بالشرف وقرنت بالفضل لذلك قيل : فلان في بيت نبوة ، وبيت إمامة ، وبيت علم ، وبيت شجاعة ، وبيت كرم ، لما سبق له من العروق المتناسبة فنسبت العلماء البيوتات وأعطتها الفضل والنجابة ، ولا يوجد بيتاً من العرب اتصف بالنجابة والشرف سوى أئمتنا آهل البيت عليهم السلام ، فإنهم نجباء من ابتدائهم وهو آدم (u) إلى انتهائهم وهو قائمهم (عج) ولا يساويهم بيت شريف وان شرّف ولا يوازيهم نسب وان اشتهر وعرّف(1).

ولكن العرب في جاهليتهم قد بالغوا في التفاخر بأنسابهم فيما بينهم وصارت عندهم نخوة في التفاخر بالآباء مما أدى إلى ارتفاع العصبية القومية الناتجة عن تفاضلهم وتفاخرهم .

وبالغوا في حفظ أنسابهم حتى صاروا يحفظون ظهر الغيب انساب خيلهم وكلابهم . إلى أن بزغ النور الإلهي في الأفق بظهور خاتم الأنبياء ورسول هذه الأمة حبيب إلهِ العالمين أبي القاسم محمد (f) ، وانتشار الدين الإسلامي الحنيف فجعل الله تعالى التقوى مكرمة للإنسان فقال سبحانه (إنّ أكرَمَكُمَ عِندَ اللهِ اتقاكُم)(2). فصارت التقوى محل حمية الجاهلية ، والأكرم هو الاتقى وحارب الرسول الكريم (f) نخوة الجاهلية وفخرها للآباء وكان القصد من محاربة النبي (f)  هو الوقوف ضد العصبية القومية لرفعها بين العرب فأصبحت علقة الإيمان بينهم أقوى سبباً من علقة نسبية .

وبعد استمرار ذرية الرسول الأعظم (f)  من سيدة نساء العالمين زهراء رسول الله (عليها وعلى أبيها أفضل السلام) ومولى الموحدين الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (u) ابن عم الرسول (f) وهذا النسل الطاهر هو من نسل هاشم(*) بن عبد مناف(**) سيد الهاشميين ، فجاءت الأهمية الكبرى في التحفظ على الذرية الطاهرة وذوي القربى النبوية الذين نزل في الكتاب التصريح بوجوب مودتهم على جميع المسلمين ووجوب إيصال الأخماس إليهم ومنع الصدقة عنهم إجلالا لهم (5) .

ــــــــــــــــــــــــــ

(*) اسم هاشم عمرو وسمي هاشماً لهشمه الثريد لقومه في شدة المحل ، وذلك انه كان إليه الرفادة والسقاية بمكة ، وانتهت إليه سيادة قريش فكان إذا قدم الحجيج في الموسم جمع لهم من ماله ومال قريش ما يكفيهم ، ويهشم لهم الثريد ويطعمهم وفي ذلك يقول القائل :

عمرو الذي هشم الثريد لقومه    ورجال مكة مسنتون عجاف(3)

 (**) كان يسمى قمر البطحاء ، وكان له الشوكة في قريش . قال ابن اسحق : كان له من الولد هاشم وعبد شمس وعبد المطلب وأخته . (4)

فجاء بحثنا هذا ألا وهو (أهمية علم النسب) في خصوص هذا الفرع المحمدي الطاهر بكل فروع بني هاشم : الفاطمي والعلوي والطالبي والهاشمي وهي انساب آل بني هاشم .

وللتعرف على أهمية علم النسب الهاشمي جعلنا البحث على هيأة نقاط وأمور مهمة من خلالها تتبين لنا هذه الأهمية وتلكم الأمور هي :

1-   النسب في القرآن الكريم .

2-   النسب في أحاديث الرسول الأعظم (ص) .

3-   علم النسب تم تدوينه وجمعه من القرون الأولى حتى عصرنا هذا .

4-   علم النسب علم مستقل كبقية العلوم .

5-   علم النسب والصفات المفروضة على صاحب هذا الفن .

6-   مناقشة الحديث المروي عن النبي (ص) في عدم فضيلة علم النسب .

7-   أقوال عدد من الأعلام وعلماء هذا الفن في أهمية علم النسب .

8-   ضرورة علم النسب في وقتنا الحاضر .

 

الأمر الأول : النسب في القرآن الكريم :

قال سبحانه وتعالى (إنّا خَلَقنَاكُم من ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلنَاكُم شُعُوباً وَقبائلَ لِتعارَفُوا)(6).

فالتعارف الذي هو نتيجة جعلهم شعوبا وقبائل لا يحصل إلا بمعرفة أنسابهم حتى لا ينتسب احد إلى غير أبيه وقبيلته .

وقوله تعالى ( ذريّة بعضها من بعض والله سميع عليم )(37)

 

والذرية : الذكور والإناث من الولد وولد الولد لأن الذريّة من ذرّ الله الخلق ، والذرية أولاد الابن وأولاد البنات ، وقد جعل الله تعالى عيسى (ع) من ذرية إبراهيم (ع) وهو من ولد البنات . وأصل الذّر إظهار الخلق بالإيجاد ، وإن الله تعالى اصطفى آدم بالحسب ، واصطفى أولاده بالحسب والنسب(38)، حيث قال ( ذرّيّة بعضها من بعض ) .

وقوله تعالى على لسان نبيه (f) (وَأنذِر عَشِيرَتَكَ الاقربين)(7) .

هذا مضافا إلى الكثير من الآيات الكريمة التي تصرح وتشير بفضل أهل البيت (عليهم السلام) قال تعالى (قُلَ لا أسألُكُم عَلَيهِ أجراً إلا المودّة في القُربى)(8).

وقوله تعالى (إنما يُريدُ اللهُ ليذهِبَ عنكُمُ الرّجس أهل البيتِ ويُطهّرَكُم تَطهِيراً) (9).

وقوله تعالى (كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أصلُهَا ثابِتٌ وَفَرعُهَا في السّماءِ)(10) .

الأمر الثاني : النسب في أحاديث الرسول الأعظم (f) :

قال النبي الأعظم(f) :((كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سبـبي ونسبي))(11).

وقوله (f) : ((تعلموا أنسابكم تصلوا (لتصلوا) أرحامكم))(12) .

وقوله (f)  : ((تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فان صلة الرحم محبة في الأهل ، ومثراة في المال ، ومنساة في الأثر)).(13)

وقوله (f) في حديث الاصطفاء : ((إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى من كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم)) .

ومعنى قوله (f) ((اصطفاني من بني هاشم)) أي اختارني منهم كما اختار قريشا من ولد إسماعيل ، فحديث الاصطفاء هو من الأحاديث المتواترة الصريحة في فضل أهل بيت النبوة عليهم السلام.(14)

 

الأمر الثالث : علم النسب تم تدوينه وجمعه من القرون الأولى حتى عصرنا هذا :

نعم فأهمية علم النسب تظهر لدى المتفحص من خلال عملية تدوينه وجمعه من القرون الأولى من قبل العلماء بكافة طبقاتهم فمن مشاهير النسابين في القرن الأول وبداية القرن الثاني أبي بكر عبد الله بن عثمان التيمي ، وعقيل بن أبي طالب (رض) ، فقد كان انسب قريش وأعلمهم(*)، وأبي صالح

ـــــــــــــــــــــ

(*)    عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم يكنى أبا يزيد ، وأمه فاطمة
.......................................................................

ـــــــــــــــــــــ

بنت أسد بن هاشم أم أخوته ، وكان طالب أكبرهم وهو أسن من عقيل بعشر سنين وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين وجعفر أسن من أمير المؤمنين (u) بعشر سنين . كان انسب قريش وأعلمهم بأيامها ووقائعها ، وكان هو المقدم في هذا الفن وكانت لعقيل طنفسة تطرح في مسجد رسول الله (f) ويجتمع إليه في علم النسب وأيام العرب ، وكان أسرع الناس جوابا ، وأحضرهم جوابا في القول وابلغهم في ذلك .

ومن تبحره في انساب العرب، ما رواه أبو نصر البخاري في سر السلسلة انه قال أمير المؤمنين(u)  لعقيل بن أبي طالب ، اعلم قريش بالنسب : اطلب لي امرأة ولدتها  شجعان العرب حتى تلد لي ولداً شجاعا ، فوقع الاختيار على أم البنين فاطمة الكلابية ، ولدت العباس وأخوته .

وكانت له منـزلة رفيعة عند النبي (f)  حيث قال لعقيل : أنا احبك يا عقيل حبين : حباً لك وحباً لأبي طالب لأنه كان يحبك ، وتوفي في خلافة معاوية في سنة 50هـ وعمره 96 سنة بالمدينة وقبره بالبقيع(15) .

 

ومحمد بن السائب الكلبي الذي كانت له الاحاطة التامة بأنساب العرب والهاشميين والقرشيين وهو من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) توفي سنة 146هـ .

فبادر العلماء منذ القرون الأولى لتدوين هذا العلم علماً مستقلا وكثر فيه التأليف غير أن أول من افرده بالتدوين هو النسابة أبو المنذر هشام الكلبي المتوفى سنة 206هـ (*) .

ـــــــــــــــــــــــــ

 (*)  هشام بن محمد بن السائب بن بشر بن زيد الكلبي أبو المنذر ، كان عالما عارفا بوقايع الأيام ووقائع العرب : من محاسنها ومثالبها ووقائعها ، وكان عالما بالنسب. (16) ، وقال الإمام السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (قده) في معجمه الرجالي : أبو المنذر الناسب العالم بالأيام المشهور بالفضل والعلم ، وكان يختص بمذهبنا ، وله الحديث المشهور قال : اعتللت علة عظيمة نسيت علمي فجلست إلى جعفر بن محمد (u) فسقاني العلم في كأس فعاد إلي علمي ، وكان أبو عبد الله (u) يقربه ويدنيه ويبسطه (17) .

والكلبي  تعلم العلم عن الإمام الصادق (u) كما في (رجال النجاشي) ص305 ، واخذ شيئا من الأنساب عن أبيه أبي النضر محمد بن السائب كما ذكره ابن النديم في (الفهرست) ص140 ، نقلاً عن محمد بن سعد كاتب الواقدي ، وكان أبو النضر من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) كما في (رجال الشيخ الطوسي) مخطوط ، وتوفي سنة 146هـ واخذ أبو النضر نسب قريش عن أبي صالح عن عقيل بن أبي طالب (رض) وذكر ابن النديم فهرست كتب

 

.......................................................

ـــــــــــــــــــــــــ

الكلبي الكثيرة التي أكثرها في الأنساب ص140 من فهرسته ، وأوردها النجاشي في فهرسته ص35 ، وقد فات سيدنا الحجة السيد حسن الصدر الكاظمي في (تأسيس الشيعة الكرام لفنون الإسلام) أن يذكر أول من ألف في علم الأنساب من الشيعة وهو النسابة الكلبي هذا ثم لحق هشاماً مؤلفوا الفريق فأكثروا وأجادوا (18).

توفي سنة 402 هـ في خلافة المأمون وقيل سنة 206هـ في خلافته أيضا وهو الأصح (19).

من مؤلفاته : (الجمهرة في الأنساب ، كتاب المنـزل في النسب ، كتاب الموجز في النسب، كتاب الفريد ، كتاب الملوكي ، كتاب التباشير بالأولاد ، كتاب الأيام ، كتاب الأوائل ) وغيرها من الكتب الكثيرة . وله غير ترجمة في كتب التراجم الكثيرة منها (النجاشي في الفهرست ، العلامة الحلي في الخلاصة ، آغا بزرك الطهراني في الذريعة ، الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب ، السيد محسن العاملي في أعيان الشيعة ، ياقوت الحموي في معجمه)  وغير ذلك من كتب التراجم .

 

وهكذا نرى العلماء والفطاحل من الرعيل الأول وما بعده من القرون حتى عصرنا هذا قد حفظت ودونت واهتمت بمسائل هذا العلم وفروعه وقد أجاد علامتنا الحجة المحقق النسابة سماحة السيد عبد الرزاق كمونة (طيب الله ثراه) فشمر الساعد الشريف وأتحفنا بكتابه القيم (منية الراغبين في طبقات النسابين) ، فجمع فيه من علماء النسب في كل عصر ومصر وقد رتبه على طبقات حسب القرون ، ومن الملاحظ انه رحمه الله لم يذكر فيه كل المعاصرين له ، وهناك كتاب آخر لم نطلع عليه لعلامتنا آية الله العظمى السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي (قده) نزيل قم المقدسة فقد أحصى فيه من ألف في انساب الطالبيين في كتاب مفرد سماه (طبقات النسابين) فجاءت عدتهم تقارب خمسمائة رجل(20) . وألف سماحة الأستاذ الوالد العلامة الحجة السيد حسين أبو سعيدة كتاب (نسابة العصر في القرنين الرابع والخامس عشر في كل مصر) مخطوط، الذي يحتوي على تراجم أكثر العلماء المتأخرين والمعاصرين في هذين القرنين .

ويتبين مما ذكرناه في هذه الفقرة أهمية هذا العلم .

الأمر الرابع : علم النسب علم مستقل كبقية العلوم :

نعم إن النسب علم كبقية العلوم الذي يلزم الكتابة فيه ما يلزم الكتابة في العلوم الأخرى من الدقة والحذر والتثبت من الحق والواقع وصياغة الحقائق والتأكد من الرواية والراوي واكتشاف الصحة وعدمها ومعرفة الأدلة والبراهين والجرح والتعديل للاستعانة في مدلولاتها تمهيدا للوصول إلى نتيجة خالصة وبعيدة عن الضيق والتحيز وصافية من الشوائب .

فهذا العلم علم مستقل بذاته له فوائده ومصطلحاته ورموزه التي يفهمها المتضلع في هذا الفن .

وهذا كله مما يؤكد أهمية علم النسب .

 

الأمر الخامس : علم النسب والصفات المفروضة على صاحب هذا الفن :

تظهر أهمية هذا العلم واضحة من خلال الصفات التي دونها العلماء والمؤرخون في مصنفاتهم على صاحب هذا الفن فليس كل من له معرفة سطحية بهذا العلم له الحق أن يتصدى لمسائله وموضوعاته فإضافة إلى صفة التقوى والصدق وقوة النفس التي يجب أن تكون متوفرة في أوصاف صاحب علم النسب فقد ذكر علماؤنا الأبرار رضوان الله عليهم انه يجب على صاحب هذا العلم أن يكون ملماً بعلم الرجال والحديث والفقه والأصول والمنطق والأخلاق لكي يكون رأيه شرعياً ومبرءاً للذمة في حق السائل لما تتطلبه مسائل هذا العلم لان في النسب الهاشمي توجد مسائل دقيقة تتعلق بحياة الفرد فالعالم الشرعي في هذا الفن تكون له نظرة ثاقبة في تلكم المسائل والمواضيع .

ويشهد لذلك سيرة العلماء والأعلام من ذوي الباع الطويل في هذا الفن وعند مراجعتك للأمر الثالث الذي مر ذكره نلاحظ إن جميع العلماء أو معظمهم في القرون الأولى والمتأخرة لهم تلك الصفات ومن أراد الإطلاع على تراجمهم فليراجع كتب التراجم منها (الذريعة إلى تصانيف الشيعة للعالم النحرير الشيخ الطهراني (قده) ج2 ، يبدأ من ص369 باب كتب الأنساب) و (كتاب طبقات أعلام الشيعة للشيخ الطهراني أيضا) و (كتاب أعيان الشيعة للعالم الشهير السيد المحسن الأمين (قده) ) و (كتاب منية الراغبين) الذي مر ذكره آنفاً.

ونذكر مثالاً من علمائنا الأبرار من متأخري المتأخرين والذين لهم تلك الصفات فمنهم سماحة العالم العلامة الحجة الثبت صاحب التصانيف الشهيرة آية الله الشيخ محمد محسن نزيل النجف الاشرف - سامراء  ، الشهير بالشيخ آغا بزرك الطهراني (قده) (*) ، وسماحة العلامة

ـــــــــــــــــــــــــ

(*)   آية الله الإمام الشيخ محمد محسن الطهراني الشهير بآغا بزرك والمعروف بصاحب الذريعة نسبة لكتابه الخالد (الذريعة إلى تصانيف الشيعة).

ولد في طهران سنة 1293هـ من أسرة تجارية ، وأحب العلم فأخذ المقدمات في بلاده ثم هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1313هـ لإكمال تحصيله ، فتتلمذ على انبغ علماء عصره فقهاً وأصولا وهم الحجج : الشيخ محمد كاظم الخراساني ، وشيخ الشريعة الاصفهاني ، والسيد محمد كاظم اليزدي . بعدها هاجر إلى سامراء في سنة 1329هـ بعد وفاة أستاذه الخراساني حيث كانت حوزة الحجة محمد تقي الشيرازي قائمة في سامراء للالتحاق في درسه الشريف ، وبقي في سامراء (26 سنة) مارس بها التدريس حتى اشتهر في عداد العلماء

..............................................

ــــــــــــــــــــــ

المدرسين ، ولكثرة بقائه في سامراء نسب لها فعرف بالشيخ السامرائي في بعض الأحيان .

عاد إلى النجف في سنة 1355هـ ليتفرغ إلى التأليف وقد أشير إليه بالاجتهاد والقدرة العلمية في عدة علوم اشهرها التأريخ حيث عدّ من اكبر المؤرخين ، وقد نبغ في الحديث والرجال ويعتبر من شيوخ محدثي الشيعة في عصره .

حاز على الإجازة عن عدد من علماء الطائفة منهم : الشيخ الميرزا حسين النوري صاحب مستدرك الوسائل ، والسيد مرتضى الكشميري ، والسيد محمد طه نجف ، والشيخ ميرزا حسين الخليلي ، والشيخ علي الخاقاني ، وشيخ الشريعة الاصفهاني ، وغيرهم ممن لم أقف عليهم.

وقد أجازه أيضا عدد من علماء السنة المطهرة منهم : الشيخ علي المالكي الإمام والمدرس في الحرم المكي ، والشيخ عبد الوهاب المكي ، والشيخ إبراهيم حمدي المدني ، والشيخ عبد القادر الخطيب الطرابلسي ، والشيخ عبد الرحمن عليش احد علماء جامع الأزهر .

وقد منح اجازات روائية لعدد يقرب من الألفين كلهم في رواية الحديث ، بحيث يروي عنه عدد كبير من المجتهدين ومراجع التقليد ، وجمع هائل من فضائل العلماء ومنهم المترجِم (أي السيد حسين أبو سعيدة) يروي عنه بواسطة العلامة الحجة السيد محمد حسن الطالقاني تغمده الله بواسع رحمته .

 

الحجة المحقق السيد عبد الرزاق كمونة الحسيني (قده) (*)

..............................................

ــــــــــــــــــــــ

توفي الشيخ الطهراني في النجف الاشرف 1389هـ ودفن في مكتبته الكائنة في داره في محلة الجديدة قريبا من شارع الرسول تاركاً آثاراً قيمة في الفقه والأصول والحديث والرجال والأدب والتاريخ والنسب منها مطبوعة والأخرى خطية أعظمها أهمية واشهرها في الوسط العلمي موسوعتان خالدتان ، الأولى : الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، والثانية : طبقات أعلام الشيعة.

رحم الله شيخنا الطهراني واجزل له العطاء انه تعالى نعم المولى ونعم النصير .

(هذه الترجمة بقلم سماحة السيد حسين أبو سعيدة التي نشرت في مجلة الأضواء العدد الأول الصادرة من مكتبتنا الوثائقية في النجف الاشرف ، وأيضا ترجمه ترجمة أخرى في كتابه المخطوط نسابة العصر في القرنين الرابع والخامس عشر في كل مصر).

(*)   العلامة المحقق والنسابة المتبحر السيد عبد الرزاق كمونة الحسيني بن السيد حسن بن السيد إبراهيم بن السيد إسماعيل بن إبراهيم بن إسماعيل بن مبارك بن بدر الدين بن احمد النقيب في الغري بن عز الدين حسين النقيب بن ناصر الدين محمد بن علي بن الحسين بن أبي منصور جعفر بن أبي جعفر الحسين بن أبي منصور أبن أبي الفوارس طراد بن شكر بن أبي جعفر هبة الله النقيب بن أبي الفتح

..............................................

ــــــــــــــــــــــ

محمد النقيب في الكوفة بن أبي طاهر عبد الله بن أبي الفتح محمد المعروف بابن صخرة بن محمد الاشتر بن عبد الله بن علي المحدث ابن عبيد الله بن علي الصالح بن عبد الله بن الحسين الأصغر بن الإمام زين العابدين (u) .

ولد السيد (ره) سنة 1324هـ بالنجف وبها نشأ حتى قرأ على يد العلماء الأفاضل معظم العلوم ، ومن أساتذته : العلامة الشيخ محمد رضا بن الشيخ هادي آل كاشف الغطاء ، والعلامة الشيخ عبد الرسول الجواهري ، والعلامة السيد حسين الحمامي ، والإمام السيد محسن الحكيم ، والشيخ محمد حسن المظفر ، والشيخ آغا ضياء العراقي (قدس الله أسرارهم أجمعين) .

لقد اشتهر السيد (ره) في كتابة الأنساب وتتبع وتحقيق تراجم وقبور الأعلام . وقد شاهدت له تواقيع على تشجير بعض السادات .

وللسيد (ره) مؤلفات منها : (نجوم السحر في انساب البشر، عقود التمائم في انساب بني هاشم / عدة أجزاء ، خلاصة الذهب في مشجرات النسب / أربعة أجزاء ، منية الراغبين في طبقات النسابين ، موارد الاتحاف في نقباء الأشراف/1-2 ، فضائل الأشراف ، مشاهد العترة الطاهرة) .

توفي (ره) في النجف ودفن بها معقباً . (21)

 

وسماحة الفقيه الحبر الهمام السيد شهاب الملة والدين الحسيني المرعشي النجفي (قده) نزيل قم المقدسة(*)، وغيرهم الكثير من

ــــــــــــــــــــــــــ

 (*) السيد شهاب الدين أبو المعالي بن محمود بن محمد بن محمد ابراهيم بن شمس الدين نقيب السادات بن قوام الدين بن نصير الدين بن جمال الدين بن علاء الدين نقيب الاشراف الى آخر النسب المنتهي الى الحسين الاصغر بن الامام زين العابدين ابن الامام الحسين (عليهما السلام) .

عالم ، نسابة ، مجتهد ، متبحر ، من المتأخرين المعاصرين لنا .

ولد في النجف في 20 شعبان 1318هـ . قال الشيخ آغا بزرك الطهراني : ذكره لنا نقلا عن خط والده .

قرأ في النجف السطوح والمقدمات على والده وغيره ثم هاجر الى سامراء والكاظميين .

اخذ إجازة الرواية عن كثير من العلماء الفطاحل في عام 1342هـ ، هاجر إلى قم فحضر بحث الحجة الشيخ عبد الكرم الحائري ، فكان (ره) عالما فاضلا جليلا نسابة .

لديه مكتبة مهمة كثيرة الكتب ذكرها صاحب الذريعة كثيراً .

له طور في علم الأنساب وقد جمع الشيء الكثير ، وقد شاهدت رسالة بخطه عند السادة آل لطيف بكربلاء يذكر فيها انه قد أخذ علم النسب عن العلامة السيد رضا الغريفي ، وقال العلامة المتبحر صاحب الذريعة : قد رأيت بخطه بعض سلاسل النسب ذكر انه استخرجها من كتاب له سماه مشجرات آل الرسول (f) .

..............................................

ــــــــــــــــــــــ

كتبت له كثيرا ًاسأله عن بعض إشكالات علم النسب وطلبت منه ترجمته سنة 1391هـ .

وقد ذكر لنفسه (34) مؤلفاً في مختلف العلوم ، وذكر الشيخ محمد علي المدرس في كتابه ريحانة الأدب ، ج2 ، ص264 ، وذكر كتبه .

وله تذييل كتاب السلاسل الذهبية في انساب العلوية ، والتعليق على عمدة الطالب ، ومشجرات آل الرسول (f) .

لقد سعى (ره) إلى تطوير مكتبته الخاصة فحولها إلى مكتبة عامة ، وانشأ لها بناية ضخمة ، وقد تطورت هذه المكتبة بعده ، وتولى أمرها ولده فضيلة الدكتور السيد محمود المرعشي (حفظه الله) ، حتى عرفت بمكتبة ومؤسسة السيد المرعشي في قم ، وقد قامت هذه المكتبة بنشر عدد من كتب الأنساب ، وقد تصدى العلامة حجة الاسلام سماحة السيد مهدي الرجائي (حفظه الله) إلى تحقيقها والتعليق عليها وقد وصلت إلينا بعض هذه الكتب كالاصيلي والشجرة الطيبة .(22) 

نسأل المولى تعالى أن يحفظ الجميع لخدمة هذا  المذهب والدين الحنيف انه سميع مجيب .

 

علمائنا الأبرار الذين من بحرهم نغترف ، وبكل الفضل لهم نعترف فتركوا ملذات الحياة وقاموا بخدمة هذا الدين والمذهب الحنيف فهنيئا لهم وندعوه سبحانه أن يوفقنا للسير على منوالهم انه سميع مجيب.

 

الأمر السادس : مناقشة الحديث المروي عن النبي الأعظم (f) في عدم فضيلة علم النسب:

يحتج بعض الناس بعدم فضيلة علم النسب بالحديث المروي عن الرسول (f)  واليك نص الحديث : ((روى الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحق الكليني المتوفى سنة 329هـ في الكافي في كتاب فضل العلم باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ما نصه :

محمد بن الحسن ، وعلي بن محمد عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عن
 

درست (*) الواسطي ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن موسى (u) قال : دخل رسول الله (f) المسجد ؛ فإذا جماعة قد أطافوا برجل؛ فقال : ما هذا ؟ فقيل : علاّمة.

فقال : وما العلاّمة ؟ فقالوا له : أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها ، وأيام الجاهلية ، والأشعار العربية ، قال : فقال النبي (f) : ذاك علمٌ لا يضر من جهله ، ولا ينفعُ من علمه؛ ثم قال النبي (f) : إنما العلم ثلاثة آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضلٌ .)).(23)

وروى هذا الحديث أيضا الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن أبي الحسن علي بن بابويه القمي المتوفى سنة 381هـ في الامالي بسنده عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان عن درست بن أبي منصور الواسطي عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى بن جعفر(u).(19)

ـــــــــــــــــــ

(*)  بضم الدال والراء المهملتين وسكون السين المهملة والتاء وقيل بفتح الدال والراء.

وقد انبرى العلماء للرد على من يحتج بمضمون هذا الحديث أو بنصه بكون علم النسب لا أهمية له . واتخذ العلماء لردهم على هذا الاحتجاج طريقين :

الطريق الأول : ذهب العلماء في هذا الرد إلى ضعف سند الحديث المذكور وانه غير حجة ونذكر هنا بعض أقوال العلماء في ذلك :

(1) قال أبو محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم الاندلسي المتوفى سنة 456هـ في جمهرته : فوضح بما ذكرناه ، بطلان قول من قال إن علم النسب علمٌ لا بنفع ، وجهالة لا تضر ، وصح انه بخلاف ذلك ؛ وانه علم ينفع وجهل يضر. وقد أقدم قوم فنسبوا هذا القول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ا.هـ(25)

(2) قال العلامة المحقق السيد عبد الرزاق كمونة (رحمه الله) : هذا الحديث لا ينهض لمعارضتـه الأحاديث المتقدمة الصريحة بالحث على تعلم الأنساب ، لضعف سنـد هذه الأحاديث ، لان في طريقها درست بن أبي منصور واقفي(*) .

ـــــــــــــــــ

(*) قال الإمام السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (قده) في معجمه الرجالي عند ذكر درست بن أبي منصور : أقول : الظاهر وثاقة الرجل (أي درست بن أبي منصور) لرواية علي بن الحسن الطاطري ، عنه في كتابه وقد ذكر الشيخ في ترجمته (392) : ان رواياته في كتبه عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم . وهذا شهادة من الشيخ بوثاقة مشايخ علي بن الحسن الطاطري كلية ولوقوعه في إسناد تفسير علي بن إبراهيم على ما يأتي. وامّا الاستدلال على ذلك برواية البيزنطي ونظرائه عنه ، فقد عرفت ما فيه غير مرة .

وطريق الصدوق إليه أبوه (رحمه الله) عن سعد بن عبد الله ، عن احمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي الوشاء عن درست بن أبي منصور الواسطي.

وطريق الشيخ إليه ضعيف بعلي محمد بن الزبير القرشي واحمد بن عمر بن كيسية إلا إن طريق الصدوق إليه صحيح . ا .هـ (26)

 

وقد صرح المجلسي والبهائي بضعفه وكذا قاله صاحب المدارك عنه وعن أستاذه إبراهيم بن عبد الحميد انه واقفي(*).

وأما عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، فقد صرح الشيخ محمد الاردبيلي(28) ، بضعفه نقله عن النجاشي ، والعلامة الحلي في الخلاصة . انتهى كلام السيد كمونة (ره).(29)

(3)           قال علامتنا المعاصر حجة الإسلام والمسلمين النسابة السيد محمد علي روضاتي في جامعه : بيان حال حديث غير معتبرى كه در عدم فائده علم انساب نقل شده .

ـــــــــــــــــــــــــ

 (*) قال الإمام السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (قده) في معجمه الرجالي عند ذكر إبراهيم بن عبد الحميد في اختلاف الكتب : انك قد عرفت عن الشيخ ، والبرقي ، ان إبراهيم بن عبد الحميد أدرك الرضا (u) ولم يسمع منه ، ولكنك ستعرف روايته عن الرضا (u) ، رواها محمد بن يعقوب ، والشيخ .

والراوي عنه هو درست الذي يروي في غير مورد عنه ، عن أبي عبد الله (u) . اللهم إلا أن يكون المراد بإبراهيم بن عبد الحميد الذي يروي عن الرضا (u) : إبراهيم بن عبد الحميد الصنعاني ، وهو بعيد كما لا يخفى.(27)

ثم ذكر تحت هذا العنوان الحديث الذي اوردناه وغيره من اكثر من مصدر وختم تلك الأحاديث بالاشكالات عليها بقوله : ((اشكالاتى كه براين أحاديث ازلحاظ متن وسند وتمسك بانها (بمنظور اثبات عدم فضيلت علم نسب) وارداست)) .

فتطرق سماحته لمناقشة هذه الإشكالات من جهتين :

الجهة الأولى : تخص سند وأحوال الرواة .

الجهة الثانية : تخص متن الحديث .

أما الجهة الأولى فقال : از جهت سند وأحوال روات :

درست بن أبي منصور : واقفي مذهب بوده وشيخ بهائى وعلامة مجلسي ضعيفش دانسته اند.

إبراهيم بن عبد الحميد : واقفي مذهب بوده وابن داود حلي حكم بعدم وثاقتش نموده.

عبيد الله بن عبد الله دهقان : نجاشي وعلامه حلي ومجلسي حكمه بضعفش كرده

اند . . . ثم انتهى بعد ذلك من مناقشة الجهتين بقوله :

((بالإجمال ، أين حديث جنانكه از درجه اعتبار ساقط است ، ومعرفت بانساب واحوال سادات واشراف برهر مسلمانى لازم ؛ وبقول ابن حزم بايد كفت :

(علم النسب علم يضر جهله وينفع علمه)أ.هـ)).(30)

الطريق الثاني : ذهب البعض الآخر من علمائنا للرد على هذه الدعوى بان هذا الحديث لا ينطبق على نسب الهاشميين من آل محمد (f) وانما هو إشارة إلى الأنساب الأخرى التي لا تخص بني هاشم .

ومن الذين ذهبوا إلى ذلك العلامة الحجة سماحة السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني (رحمه الله) بقوله : ((امتاز العنصر السامي (عبرية وعربية) بالمحافظة على سلسلة الأنساب بين الأبناء وأقصى ابائهم وبالغ العرب فيهم حتى صاروا يحفظون ظهر الغيب انساب خيلهم وكلابهم والى هذا أشار النبي العربي(f) بقوله عن النسب (لا ينفع علمه ولا يضر جهله) ، ثم تفرع من علم النسب فرع عظيم الأهمية واستحق البقاء والنماء وذلك نسب الهاشميين من آل محمد (f) .

وربما يزعم الجاهل أن علم النسب الخاص بآل محمد (f) هو كباقي فروع النسب (لا يضره من جهله ولا ينفع من علمه) وهذا من الزعم الفاسد لان العلم بأنساب الخيل أو انساب عشائر العرب غير مجدي كما وصفه النبي (f) ولا يقاس ذلك بنسب آل محمد (f) إذ عليه تؤسس الغايات العظام وعليه يبتني الفقه والأحكام ومنه تصح مسائل الحلال والحرام لاختصاص الخمس بذوي قربى النبي (f) وتحريم الزكاة عليهم وجباية الحقوق والأنفال إلى الأئمة منهم وقبول دعوة الإمامة والخلافة فيهم كما قال علي أمير المؤمنين (u) : (ان الائمة من قريش غرس في هذا البطن من هاشم) وإخلاص الولاية لهم لقوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) وكثرة الأوقاف والحبوس الجارية بعنوان الأشراف وتقديم الهاشمي في إمامة الجماعة وخلافة المسلمين ومثوبة إكرام ذرية النبي (f) وانقطاع كل سبب ونسب ما عدا النسب النبوي إلى غير ذلك من الميزات المهمة .

فأي علم يحتاج إليه في فقه الدين (أصوله وفروعه) أكثر من علم انساب آل محمد(f)  المبتني عليه المسائل في أبواب الطهارة والصلاة والخمس والزكاة والأنفال والصدقات والمواريث والأوقاف والنكاح والإمامة والخلافة والولاية والشفاعة والسقاية وغيرها .

فبالنظر إلى ما ذكر يصدق عليه انه (علم يضر جهله وينفع علمه) ا.هـ))(31)

الأمر السابع : أقوال عدد من الأعلام وعلماء هذا الفن في أهمية علم النسب :

يعتبر علم الأنساب حسب الدراسات الأكاديمية شكل من أشكال التعبير التاريخي، وذلك لانه ليس امراً جديدا وانما هو قديم مستمد من المنهجية العربية القديمة ، فبأهميته هذه يعد أمرا لا يقل أهمية عن أي دراسة تاريخية فذكر هذه الأهمية العلماء قديماً وحديثاً .(32)

نورد هنا بعض أقوال العلماء في أهمية هذا العلم :

(1) قال ابن الأثير الجزري في لبابه : ((وهو مما يحتاج طالب العلم إليه ويضطر الراغب في الاداب والفضل إلى التعويل عليه )) .(33)

(2) قال أبو محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم الاندلسي المتوفى 456هـ : ((فوجب بذلك إن علم النسب علمٌ جليلٌ رفيعٌ، إذ به يكون التعارف . . . )) . (34)

(3) قال أبو العباس احمد القلقشندي المتوفى سنة (821هـ) : ((مع مسيس الحاجة إليه في كثير من المهمات ودعائه الضرورة إلى معرفته في الجليل من الوقائع والملمات)).(35)

(4) قال العلامة والنسابة الشهير السيد جمال الدين احمد بن علي الحسني المعروف بابن عنبه والمتوفى سنة 828هـ في عمدته : ((أما بعد . . فان علم النسب علم عظيم المقدار ، ساطع الأنوار ؛ أشار الكتاب الإلهي إليه فقال سبحانه وتعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) وحث النبي الأمي عليه فقال : (تعلموا أنسابكم لتصوا أرحامكم) ، لا سيما نسب آل الرسول عليه السلام ، لوجوب توخيهم بالإجلال والإعظام كما وضح فيه البرهان ودل عليه القرآن . . . الخ )). (36)

وهناك الكثير من أقوال العلماء في مقدمات مصنفاتهم فاكتفينا بهذا الذكر الذي مر آنفاً كمثال على أهمية هذا العلم ، ومن أراد الإطلاع أكثر فليراجع . 

 

الأمر الثامن : ضرورة علم النسب في وقتنا الحاضر :

من المعلوم لدى المتتبع أن أغلب مصنفات العلماء والمؤرخين في هذا الفن ذكرت أن هناك بعض الأسر في القرون الأولى ادعتّ الانتساب إلى النسب الهاشمي ، وتصدى العلماء في وقتها لبيان حقيقة أمر هذه الأُسر بين الصحيح منها وغير الصحيح . حتى كادت بعض عناوين المؤلفات توحي بما كان من هذا الأمر مثل كتاب (غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار) لمؤلفه تاج الدين بن زهرة على احد الأقوال الذي كان حياً سنة 753هـ ويريد بقوله (المحفوظة من الغبار) أي البيوتات الصحيحة الأنساب التي لا طعن فيها ، وكتاب (صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار) لأبي المعلي محمد سراج الدين المتوفى سنة 885هـ .

ومن المعلوم أيضا انه ليست كل الأُسر التي ادعت الانتساب إلى الآل (عليهم السلام) غير صحيحة وإنها تدعي ما ليس من حقها لأن البعض من هذه الأسر لها أدلتها الشرعية ودلائل أخرى يمكن من خلالها البت في صحة انتمائها من قبل العالم النسابة المتخصص بفنه، ولكن هذه الأسر هي قطرة من بحر في مقابل ما ادّعته ا لأُسر والقبائل والعشائر في عقدنا الأخير في الانتساب إلى النسب الهاشمي . ومن الغريب في الأمر إن لهذه العشائر والقبائل والبيوتات سمعة طيبة ومكانة اجتماعية مرموقة ، ولكن هنالك عوامل خفية حاولت العبث بتاريخ آل البيت (عليهم السلام) والمس بتراثهم من خلال خداع هذه الفئات البريئة من  المجتمع والمحاولة في إقناعها بشيء ليس من أصلها وانتمائها وعند سؤالك من هؤلاء الذين ادعوا الانتساب عن أدلة دعواهم لن تسمع منهم إلا (القيل والقال) مما يبرهن على عدم إدراك ما يفعله صاحب هذه الدعوى وان هناك من دفعه إليها دون معرفته بذلك .

وقد تصدى الأستاذ الوالد سماحة العلامة الحجة السيد حسين أبو سعيدة (حفظه الله) لهذا الأمر وناقشه على هيأة رسائل وبحوث منفردة أصدرتها مكتبتنا الوثائقية العامة في النجف الاشرف ، واليك بعض عناوين هذه البحوث :

1- النسب الهاشمي في عصرنا هذا إلى أين يتجه .

2- انساب الآل والتأسي بالنبي (ص) .

3- فلسفة التوثيق النسبي .

4- المستند القرآني لحفظ الأنساب .

5- أنساب آل البيت في الوطن العربي والإسلامي .

 

وختاماً نوجه خطاباً لهذه الأُسر والقبائل والعشائر والبيوتات رعاهم الله تعالى على إن الاستمرار على هذا الأمر له عواقب سيئة ربما لا يدركها المدعي الآن ، وان هذا الامر ليس ايجابيا ولا احساناً كما يظنه البعض منهم بل هو إساءة لذرية الرسول الأعظم (ص) .

فانتبهأوا أيها المسلمون حفظكم الله تعالى إلى هذا الأمر فالقرآن الكريم يخاطب الناس بقوله (إنّ أكرَمَكُمَ عِندَ اللهِ اتقاكُم)(39) ، فهذه بعض التعاليم الربانية التي تدعو الناس إلى التسابق في التقوى والطاعة والعمل الصالح . والاعتماد على الانتساب إلى آل البيت النبوي غير مجدٍ ولا نافعٍ بعدما جاء قوله تعالى (وقل أعملوا فسيرى اللهُ عملَكُم ورسُولُهُ والمؤمنون)(40) .

وقوله تعالى : (يرفع الله الذينَ امنُوا منكم والذينَ أُوتوا العِلَم درجاتٍ)(41) .

وقوله تعالى : (والذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ أولئكَ اصحابُ الجنةِ هم فيها خالدون)(42) .

وقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ لهم مغفرةٌ واجرٌ عظيم)(43) .

وقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الذين امنوا منكم وعمِلُوا الصالحاتِ لَيَستَخلِفنَّهُم في الارضِ كما استخلف الذين من قبلهم)(44) .

وقوله تعالى : (الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ لنُدخِلنَّهُم في الصالحين)(45) .

وقوله تعالى : (إنَّ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ لهم اجرٌ غيرُ ممنونٍ)(46) .

وقوله تعالى : (إلاَّ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ لهم اجرٌ غيرُ ممنون)(47) .

وقوله تعالى : (إلاَّ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ فلهم اجرٌ غيرُ ممنونٍ)(48) .

وقوله تعالى : (إنَّ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ أولئكَ هم خَيرُ البريّةِ)(49) .

إلى غير هذا من الآيات المباركات التي تحث وتخص على العمل الصالح والتقوى. 

نسأل المولى العلي القدير أن يزيل هذه الشبهة عن نفوسهم ويحفظهم ويوفقهم لخدمة أهل البيت (عليهم السلام) انه سميع مجيب .

والحمد لله رب العالمين

 

أقل طلاب العلم

علي أبو سعيدة الموسوي

10 / رجب المبارك / 1424هـ

النجف الأشرف
 

فهرس هوامش البحث

(1) كمونة : منية الراغبين في طبقات النسابين ، ص4 .

(2) الحجرات / 13 .

(3) القلقشندي : نهاية الارب في معرفة انساب العرب ، ص386.

(4) القلقشندي :  نهاية الارب في معرفة انساب العرب ، ص311.

(5) كمونة : منية الراغبين ، ص10.

(6) الحجرات /13 .

(7) الشعراء / 214.

(8) الشورى / 23.

(9) الاحزاب / 33.

(10) ابراهيم / 24.

(11) ابن عنبه : عمدة الطالب ، ص17.

(12) الجامع الصغير ، الحافظ جلال الدين السيوطي ، ص11 .

(13) كتاب التاج الجامع للاصول في احاديث الرسول (s)، الشيخ في الازهر منصور علي ناصف ، ج5 ، ص10.

(14) كمونة : فضائل الاشراف ، ص18-31.

(15) كمونة : منية الراغبين ، ص85 ، الاصيلي لابن الطقطقي والترجمة هي من تعليقات محقق الكتاب العلامة السيد مهدي الرجائي ، ص44.

(16) كمونة : منية الراغبين ، ص182.

(17) الخوئي : معجم رجال الحديث ، ص375.

(18) ابن عنبه : مقدمة كتاب عمدة الطالب ، ص8.

(19) كمونة : منية الراغبين ، ص183.

(20) ابن عنبه : مقدمة عمدة الطالب ، ص9 ، س18 .

(21) ابو سعيدة : نسابة العصر ، ص11.

(22) ابو سعيدة : نسابة العصر ، ص13.

(23) الكليني : اصول الكافي ، ص32.

(24) كمونة : منية الرغبين ، ص7.

(25) ابن حزم : جمهرة انساب العرب ، ص3.

(26) الخوئي : معجم رجال الحديث ، ج7، ص143.

(27) الخوئي : معجم رجال الحديث ، ج1، ص234-235.

(28) جامع الرواة : ص528.

(29) كمونة: منية الراغبين، ص7-8.

(30) روضاتي : جامع الانساب ، ص24-29.

(31) الشهرستاني : مجلة المرشد ، السنة الاولى ، المجلد الاول ، ص176.

(32) ابو سعيدة : المشجر الوافي ، ج4 ، ص11 .

(33) ابن الاثير : اللباب في تهذيب الانساب ، طبع القاهرة ، 1356هـ .

(34) ابن حزم : جمهرة انساب العرب ، ص2 .

(35) القلقشندي : نهاية الارب ، ص7.

(36) ابن عنبه : عمدة الطالب ، ص17 .

(37) آل عمران /34 .

(38) رجائي: الكواكب المشرقة ، ج1،ص7 .

(39) الحجرات / 13 .

(40) التوبة / 105 .

(41) المجادلة / 11 .

(42) البقرة / 82 .

(43) المائدة / 9 .

(44) النور / 55 .

(45) العنكبوت / 9 .

(46) فصلت / 8 .

(47) الانشقاق / 45 .

(48) التين / 6 .

(49) البينة / 7 .

 

مصادر ومراجع البحث :

* الكليني : محمد بن يعقوب بن اسحق .

1. اصول الكافي ، دار الكتب الاسلامية ، طهران ، ط3 .

* ابن الطقطقي : محمد بن تاج الدين علي .

2.الاصيلي في انساب الطالبيين  ، جمع وتحقيق العلامة السيد مهدي الرجائي ، مكتب آية الله المرعشي ، قم ، 1418هـ .

* الروضاتي :  محمد علي .

3. جامع الانساب ، ايران ، اصفهان ، 1376ق - 1335ش .

* ابن حزم : علي بن احمد بن سعيد .

4. جمهرة انساب العرب ، تحقيق وتعليق عبد السلام هارون ، ط5 .

* ابن عنبه : احمد بن علي .

5. عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب ، عني بتصحيحه محمد حسن آل الطالقاني ، المطبعة الحديرية ، النجف الاشرف ، ط2 ، 1961م .

* ابن كمونة : عبد الرزاق بن حسن بن ابراهيم .

6. فضائل الاشراف ، مطبعة الاداب ، النجف الاشرف ، 1970م.

7. منية الراغبين في طبقات النسابين ، ط1 ، النجف الاشرف ، 1972م .

* الشهرستاني : صالح

8. مجلة المرشد ، السنة الاولى ، المجلد الاول ، 1926م.

* ابو سعيدة : حسين بن علي بن حسين .

9. المشجر الوافي في السلسلة الموسوية ، الطبعة الثانية ، بيروت .

10. نسابة العصر  في القرنين الرابع والخامس عشر في كل مصر ، مخطوط .

* الخوئي : ابو القاسم بن علي اكبر .

11. معجم رجال الحديث ، النجف الاشرف ، الطبعة الثانية .

* القلقشندي : احمد بن علي بن احمد .

12. نهاية الارب في معرفة انساب العرب، دار الكتب العلمية ، بيروت .